تعتبر البلديات مرافق عمومية، تنازلت السلطات المركزية لمجالسها البلدية عن بعض صلاحياتها، فيما أشركتها في جزء آخر. وذلك بهدف تقريب الخدمات من المواطنين، إلا أن هناك بعض المفاهيم الخاطئة عن دورها، منها إعتبارها مرفق سياسي أكثر منه تنموي، دون أن ينتبه أصحاب هذا الطرح إلى أن الطرح السياسي يتوقف عند قول صناديق الإقتراع كلمة الفصل، فتصبح البلدية مرفق عمومي بكل المقاييس. فإذا كانت البلدية مرفق سياسي، لكون مجلسها البلدي ينتخب عن طريق انتخابات ذات طابع سياسي من خلال تمثيل الأحزاب الفاعلة في المشهد المحلي، فهي أيضا مرفق خدماتي، جزء من السلطة العمومية يسعى لتعزيز دورها، حتى أنه في البلديات الريفية لا تمثل الدولة إلا من طرف العمدة، نظرا لعدم وجود مسؤول إداري فيها. وقد سعى الكثير من الناس إلى تشويه صورة البلديات، إلا أنه خلال العقد الأخير تغير واقعها، نظرا لصعود أطر أكفاء إلى واجهتها. فسعوا لتغيير تلك الصورة القاتمة عن البلدية ودورها، وعملوا على وضع خطة محكمة، من خلالها تم رسم خارطة طريق للعمل البلدي، ساهم في تغيير العقليات والدفع بعدة بلديات إلى الأمام.
ومن هذه البلديات نسلط الضوء على بلدية تجكجة، والتي خاضت تجربة خاصة في توظيف العمل البلدي، إنطلاقا من رؤية ثاقبة للواقع، وقناعة تامة بأنه إذا كان للبلدية طابع سياسي. فإن ذلك ينتهي مع انتهاء عملية الإقتراع، لأن المجلس البلدي أصبحت قناعته بأنه بات يدير مرفقا عموميا، وتبعا لذلك سعى المجلس البلدي بقيادة العمدة محمد ولد بيها إلى أن تلعب البلدية دورا محوريا، يقدم خدمات ملموسة للمواطنين، ويسعى لتحسين الوضعية المعيشية لهم ويقرب الحكامة منهم، نظرا لكون ذلك هو الدور الطبيعي لأية مجموعة محلية.
لقد بادر المجلس البلدي في تجكجة غداة توليه مسؤولية إدارة البلدية إلى وضع خطة تنموية، كان لها الأثر الإيجابي على المدينة، فتميز العمل البلدي بوضع برنامج تنموي بصفة تشاركية مع المواطنين، كخارطة طريق واضحة المعالم لتحقيق التنمية في البلدية.
كما عمل على تجسيد الحكامة التشاركية، وأعد خطة محكمة من شأنها تسهيل العمل البلدي في التواصل مع الساكنة وتسوية مشاكلهم، حيث قام بتقسيم المدينة إلى 25 حيا، كل منها تم إعداد جرد بساكنته، ومن خلال ذلك تم تشكيل لجنة مصغرة منتخبة من طرف الساكنة، لتكون أداة وصل بينهم مع البلدية. وتبعا لذلك تم إعداد قائمة بالمواطنين طبقا للتفاوت في الحالة المعيشية، الشيء الذي ساهم في تسهيل عملية توزيع المساعدات، لأنه توجد قاعدة بيانات محكمة واضحة المعالم ومتفق عليها، فساهم ذلك في توزيعها بشفافية وعدالة.
وعمل المجلس البلدي على فتح حوار دائم حول الإشكاليات التنموية في البلدية، وذلك من خلال مجموعات تواصلية ثلاث في "الوات ساب":
-إحدى المجموعات مع أطر المدينة القاطنين فيها
-الثانية مع أطر المدينة في نواكشوط
--الثالثة مع المنحدرين من المدينة الذين يوجدون خارج موريتانيا.
ومن خلال هذه المجموعات التواصلية، نجحت البلدية في إيجاد أداة تواصل بين المنحدرين داخل البلاد وخارجها، وإشراكهم في التشاور حول الشؤون التنموية للمدينة، من خلال نقاش ممنهج للمحاور التنموية الأساسية.
ويرى بعض المراقبين، أنه رغم بعض الإختلافات في الرأي، فإن النقاشات داخل تلك المجموعة تميزت بهبة غير مسبوقة للمشاركة في حلحلة بعض المشاكل التنموية الحادة في المدينة، كقضية النظافة التي كانت فكرة ابتكارية ساهم فيها جميع أطر تجكجة في الداخل والخارج، من خلال تبرعاتهم، الشيء الذي أدى لإيجاد تسوية دائمة لمشكل النظافة، حيث أصبحت المدينة مثالا يحتذى به في المجال.
كما أدت تلك الفضاءات إلى إنشاء عدة روابط وتجمعات ومبادرات، كل منها تديره نخبة من الأطر، بهدف التدخل في مجال معين للقيام بنشاطات مختلفة، تفيد الساكنة في المشاكل المختلفة التي يعانون منها. وأتت هذه المبادرة أكلها من خلال الحراك الذي قيم به لمواجهة فيروس "كورونا"، تمشيا مع نهج السلطات العليا في البلد.
ويرى بعض المراقبين المحليين، بأنه رغم كون البلدية تدار من طرف فريق ينتمي للأغلبية الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني ويقاد من طرف عمدة، عضو في المكتب التنفيذي للحزب الحاكم، فإنها إستطاعت أن تقدم مثالا حسنا لخدمة الدولة من خلال حسن التسيير المحلي، وهو مكسب يرى أولئك المراقبين أنه مكسب يتماشى مع التوجه العام للدولة في ظل قيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
وطبقا لمصادر محلية، فإن المسار الذي انتهجته بلدية تجكجة واجه بعض الصعوبات تمكنت من تجاوزها، فحققت العديد من الإنجازات الملموسة، كما عملت على تعزيز الشراكة مع أبناء المدينة، من أجل مشاركة الجميع في نقاش مشاكلها وربطهم بهمومها بشكل دائم، بعد أن كان إرتباط الأغلبية منهم بها خلال المواسم السياسية فقط.
وهكذا تمكنت البلدية من تحقيق عديد الإنجازات في مجالات متعددة، سعيا لتعزيز دورها وتحقيق التنمية المنشودة، إنطلاقا من قناعتها بأن أية تنمية لا تتم بالموارد فقط، وإنما بالأفكار التي من خلالها تحولت بلدية تجكجة إلى نموذج للتنمية المحلية في موريتانيا.