الأيام الأخيرة في موريتانيا حبلى بالغرائب.. سلسلة أخبار يشيب لغرابتها الولدان، فلا تكاد تفيق من صدمة نبأ حتى تذهل من صدمة آخر.. كأننا كرة تتنزّى فوق أكف العجائب: - الهابا تتحدث عن شرف أسرة "رئيس الجمهورية"، و كأننا لا نعرف سيرة هذه الأسرة فرداً فرداً.. حيث يمكننا أن نعثر على كل مفردات النذالة و الوقاحة، ونعجز عن العثور في قاموسهم عن معاني الطهر و الشرف، تماما كما يعجز الإنسان عن درحرجة جبال الهملايا بسبابته.
ربما نسيت هابا أن للشرف معنى يتنافض تماما مع سرقة أموال الشعب، و مع الانقلاب على خياره، و حماية المجرمين من أن تطالهم خطاطيف العدالة: إبن الأسرة البكر يطلق النار على فتاة بريئة، فيتم في جريمته تعطيل القانون، كما يتم التغاضي عن جرائمه في تجارة المخدرات و تعاطي الممنوعات.. شأنَهم في الإيعاز لأسرة الضابط شيخنا ولد القطب بحمل أقارب سيداتي ولد معطلل (مولى العشيرة) على التنازل عن شكواهم من إبن خالة الرئيس اعل ولد جيرب بطل "غزوة البرتقال".
و ما كان الحق العام (الذي تم تعطيله في غزوة "بدر") لينال من ولد الجيرب، لولا انتفاضة الرأي العام. و على هذا المنحى أيضا طوي ملف انفجار مصنع الغاز الكارثي في لكصر، الذي خلف ضحايا في الأرواح و الأموال، وحكمت فيه المحكمة بتعويض للضحايا يتجاوز 300 مليون أوقية، غير أنه بتدخل من الرئيس ولد عبد العزيز أهدرت كل تلك الحقوق.. لأن صاحب المصنع، المسؤول عن تهاونه بأرواح المواطنين البسطاء هو صديقه الشيخان والد بنات الكربية: خيرة و توتُ.. فلم يحظ الضحايا بأدنى تعويض أو تعزية أو مواساة..! في هذه الأيام أيضا، ظهر نجم أحمدُّ ابن الرئيس محمد عبد العزيز المدلل، الذي يطأطيء الوزراء و المدراء رؤوسهم أمامه.. والذي يتصل بالوزير الأول ليصدر إليه تعليماته و توصياته.. و يغضب فتعيق صوته تأتأة غبية ترتعد لها فرائص المسؤولين و المصفقين. حدثني عضو فرقة فنية، تعودت أن تنحاز للمواطنين في همومهم و معاناتهم، و أن لا ترضخ لصولة الجبابرة و المستبدين، أنهم في اجتماع مع إبن الرئيس المدلل، هدّدهم فيه ما شاء له نفوذه و صولجانه أن يهدد، و وعدهم مما لم يرثه عن أب و لا جد ما شاءت له "خفة يده" أن يعد، فكانوا يصرّون على حقهم في التعبير الفني عن معاناة شعبهم و حرمانه من حقوقهم. وعندها أجهش مستشار الرئيس حميده بالبكاء، و هو يخاطبهم من خلال نشيجه و نحيبه: و الله لو كنتم تعرفون حرص هذه الأسرة على مصلحة البلاد وسعيهم فيها لما قلتم في أغنيتكم ما قلتم.. فلم يكن من الولد المدلل إلا أن قطب وجهه و نهر مستشار والده المتنفذ: أيييه.. أوْخَظْ عنَّ.!.. فخرج احميده ليقف في الرواق منتظرا أوامر أخرى من فتى القصر المدلل.! تصوراْ.. كم يبلغ الهوان و الذل باللاهثين خلف أمعائهم.!
هؤلاء هم شرفاء "الهابا" اللعينة.. وهؤلاء هم من يجلس سياسيو الخنوع و الهوان ليحاوروهم اليوم في دهاليز قصر "المؤامرات".. في وقت يجوع فيه المواطن و يعطش و يعرى و يمرض، و تغرق فيه البلاد في مياهها الآسنة، و يقبع الأحرار من مناضلي إيرا في غياهب السجون، ويتم الاعتداء علي كل رب كلمة. ثوروا تصحّوا.. ويستقيم أوَد النظام السياسي.. و حاوروا تعرككم رحى جنرال الغدر بثفالها.!