سيداتي ولد سيد الخير
باستحضارنا لأهم محطات تاريخ الدولة الموريتانية الحديثة يمكننا أن نسجل مجموعة من الملاحظات السريعة :
-أن علاقة الأنظمة المتعاقبة على الحكم في موريتانيا بالشعب عامة والمعارضة خاصة لا يمكن وصفها بعبارة واحدة لترنحها بين السرية والمصالح.
-أن العلاقة دائما بين هذين الطرفين ظلت محكومة بمنطق ابراكماتي صرف بغض النظر عن الشعارات المعلنة لعامة الناس.
-أن المأسسة التي تراكم السلوك السياسي وتنقحه لتقترب به عبر الزمن من نضج التجربة طارت بها في الجو عنقاء مغرب, إنما ظل مكانها تكريس العمودية في العلاقة السياسية والزبونية في الو لاءات الفكرية مما عطل الإبداع الفكري الذي يجعل من الوطن سمادا تينع به التجارب وتنبت الأفكار وفق آلية تلامس في كل حيثياتها الذهنية الجمعية ذات البعد الخاص بفرادته الموريتانية.
-تداخل الخطابات المتعالية على الواقع مع الدوافع الشخصية ومصالح المجموعات الضيقة مشفوعا بسيل من الدعاية واستهلاك الشعارات والمصطلحات لأغراض حزبية وفئوية حتى انتقلنا من المفاهيم الطوباوية التي يأطرها هذا الواقع: الخيانة والانبطاح والعمالة والتصفيق ... إلى مفاهيم أكثر "واقعية"تصب كلها في مفهوم واحد شكل رافعة لكل تلك الايدولوجيا المحركة للتيارات المحسوبة تاريخيا على تيار "الممانعة", هذا المفهوم هو مفهوم " السياسة" بمعناها المحلي الذي يفسره الارتباط بمفاهيم أخرى كالمصلحة ,فن الممكن , عدم "عناد" الدولة ,المحافظة على الشعبية لثمن
تدفعه السلطة..., كل ذلك ولد نوعا من العلاقة الأخطبوطية بين الحكام المتعاقبين على موريتانيا و"معارضيهم" على طريقة ما كان البعض يقوم به مع "الخوبة" حيث يقدم الخدمات "للكفر" مقابل امتيازات مادية ومعنوية وعند الرجوع إلى الحي ينفر الناس من التعامل مع "النصارى".
وقد أفاد السياسيون من هذا المبدأ وخاصة المعارضة من أجل "الحظرة" التي كرست هذا المبدأ في دوافعها فلا تكاد تجد اليوم أحد رموزها إلا وهو خارج من مجموعة من الامتيازات حصل عليها في نظام ما كان يواليه صراحة أو يواليه في الليل ويعارضه في النهار , وهي طريقة درج عليها الكثيرون من سماسرة السياسة الذين لا يتوانون عن إثارة القلاقل كلما "همشوا" بغية "كرعة" لا حد لها إنما بقدر شطارة صاحبها "الرمز" الذي تحكمه منظومة من المسلكيات المتولدة عن بعض التراث القديم والحديث والتي تنتصر في الغالب للزئبقية في الو لاءات للمحافظة على مكانة تريد ألا تفارقها
دون أن تبذل من أجل ذلك جهدا نافعا بحكم الكسل الفطري الذي يظل صاحبه يستغيث بالشيطان ليسيطر على "ذويه وأتباعه"..
ولتنافي ذلك مع الفطرة التي هي تكريم الإنسان بجعله هدفا ساميا لذاته فإن هؤلاء اليوم في زمن المكاشفات بدوا مستنفدين أسلحتهم وحيلتهم فلا الشعب يقدر "تضحياتهم العظيمة" ولا النظام يحسب لهم حسابا يفاوضون عليه ليحصلوا على الامتيازات المعهودة .., فهؤلاء "المناضلون" حصلوا لشعبيتهم هدفا واحدا هو تخلصهم هم من الفقر إذ من المعروف أن أوضاعهم المادية لا تقارب بالمرة أوضاع "جماهيرهم الحبيبة" ,وهكذا تكشف اليوم لخاصة الناس وعامتهم ما قاله الأسلاف من أن "الستره واتحلكيم" لا يجتمعان إلى يوم الدين ,فصدوا عن المعارضة وفطنت السلة لذلك فلم تحسب لهم
حسابا وبدأت منذ2005 تطبق أهم المطالب والشعارات التي يبدو أن المعارضة لا تملك سواها وإلا لرفعته في هذه الأيام التي لم تجد من يحسدها فيها وتترك شعار الرحيل وفبركة الشائعات والتنا بز بالألقاب الذي لا يدل على شيء أكثر من دلالته على الخواء الفكري واستحالة التجدد وتكريس السكونية والارتباك الحضاري الناجم عن كساد البضاعة .
فلو كان الخطاب ينبع من المشاكل اليومية للمواطن وانتقاد النظام من هذا الجانب بطريقة تلامس طموحات غير المصطفين مع السلطة لكان أقرب إلى البقاء والاحتضان بعيدا عن اللغة المستهلكة والكساد في الخطاب الذي يحكم اليوم المعارضة الموريتانية.