بحضور نوعي تقدمته نخبة من كبار الأدباء والمثقفين ومحبي الشعر، أحيا الشاعران: عبد الله الأديب وسعدنا أحمدو أمسية شعرية مساء اليوم (الخميس) في بيت الشعر - نواكشوط، سلطت الضوء أكثر على تجارب مميزة داخل المدرسة الشعرية الموريتانية المعاصرة.
وكشفت الأمسية أن الشعراء الموريتانيين الشباب متشبثون بثوابت أمتهم ولغتهم وحسهم الإنساني، وقيم الشعر العليا، المضيئة بعالم السحر الحلال حبا ووطنيا، وذلك عبر استغلال كل الإمكانات التعبيرية التي أتاحها الشعر في مستوياته النصية والصوتية، أحرى داخل امتلاءاته المثمرة أخيلةً ومشاعر.
قدم الشاعران تجربتين متشابهتين فنيا (قوة اللغة والوزن وتقنيات النص الشعري، ووحدة المقاصد العامة من ذاتية وإنسانية)، ومتباينة كثيرا في الأسلوب، وبحيث قدم كل شاعر "مدرسة شعرية" أو "منظومة تعبيرية" يكاد المتابع لها يضيع بين سقوف وأرضيات القصيدة، وربها كان ذلك هو الهدف الأول للشعر، والمطلب المنشود لدى كل شاعر.
الشاعر عبد الله الأديب، من مواليد 1982، فائز بمسابقات بينها "جائزة الإبداع" من اتحاد الأدباء الموريتانيين، ألقى قصائده: "وشاح الألق"، و"أيقونة الدنيا المتوهجة"، و"الشموع المتلهفة"، وتكشف هذه القصائد أن الشاعر عبد الله، الذي رافق منذ صباه ألفية ابن مالك دراسة وتدريسا، شيَّد "بيئة لغوية" متميزة تتسامق فيها مفردات "لغة المحضرة" (الكتاتيب)، مع "المفردات المخملية"، مع تمسك صخري، وبطريقة لا تترك مجالا للشك، بأدق تفاصيل مضمونا وهوية وحدة النص. فعبد الله شاعر لا يكتفي بجمع أجزاء جمله الشعرية في صورة موحية فحسب، بل يصرُّ على أن تأخذ أبعادا غير محددة من خلال شبكة الإحالات، التي تلملم أطراف مشهده التعبيري.
يقول في قصيدة "أيقونة الدنيا المتوهجة":
شنقيط يا ألق الفخر الذي انتشرا
وشد من كل أرض نحـوه البصــرا
كم في رفات الليالي قد بَعثْتِ سنى
طوى عن الأفق ليلا طالما اعتكرا
وكم غمرت بتحنان و مكرمة
قلبا وكفكفت دمعـا كان منهمـرا
وكنت دارَ سلام من أناخ بها
لم يلق من جاره ضيمـا ولا ضجـرا
أهواك ملء أحاسيسي وعاطفتي
هوى يهدهد شوق الشعر والشعرا
عن الروافد هل جفت لها شفة
وهل شكت ضفتاها الورد والصـدرا
عن هذه الأرض غب الغيث كيف جرت
تلك المرايا وذاك النفح كيف جرى
إني لأعشقها مذ عاهدت فوفت
أن لا يراها انبلاج ترتدي وضـرا
أحببت إنسانها أحببت قهوتها
أحببت فوق لآلي رملها السمـرا
فكان أحلى أغاني العمر في أذني
أن تعزف الريح فيها الطلح والسمرا.
بدوره، الشاعر سعدنا أحمدو (من مواليد 1993)، قرأ قصائده "نظارة العين"، و"صمت الرسائل" و"حب في مهب الريح"، ويتجلى من خلال هذه القصائد طفوق المجاز بشكل موغل ولكن ليس إلى حد يجعل الشاعر يتخلى عن مفاتيح النص، خاصة حيث يكمل بناء صورته في وحدات، أو جمل شعرية جامع عن قصد أو غير قصد لغة عمودية المفردات من الطين إلى الغيم، رغم أن الشاعر يدهشنا بقدرته على توأمة المفردة النابضة في سحبه ومراياه.. هي المفردة المبجلة لأنثاه، التي يخصها بأغلب إنتاجه الشعري، وهو الذي يكشف أن أول حمامة شعر نزلت على خاطره كانت عن "القدس الشريف".
ولد أحمدو، الذي يعد من أبرز الشعراء الموريتانيين من جيله، يعتبر أن علاقته بالشعر هي علاقة أزلية، ويقول "أظن أنني والشعر توأم مذ البداية مع أنني لم أكتشف ذالك إلا مؤخرا".
يقول ولد أحمدو في قصيدته "نظارة العين":
في ليل العمى مقـــلُ
والعابرون
مدى عينيك ما وصلوا
نظارتاك مجـاز دهشة وسنا
وكحل
عينيك حسن الله يختزل
وأنت أنت سماء في براءتها
فكيف للرعشة الأولى
سأحتمل
عيناك أحجية حاولت وصفهما
ذاب الخيال ...
معي واستعصت الجملُ
لا شيء غير مرايا الريح تحملني
في اللارجوع ...
تجافت ثغريَ القبلُ.
جدير بالذكر أن بيت شعر نواكشوط هو المؤسسة الأدبية الوحيدة في البلاد، التي لها برنامج ثابت على مدار العام، وأصبح البيت محجا للشعراء والمثقفين الموريتانيين، الذين قدموا من على منبر البيت إبداعاتهم في الاختصاصات الأدبية والثقافية كافة.