بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
يتوقع خلال الأيام:22-23-24 دجمبر2017 انعقاد المؤتمر الثالث العادي في قصر المؤتمرات بنواكشوط، تحت شعار: "شركاء في تكريس التناوب"، ومهما يكن اسم الرئيس وفريقه الجديد، إلا أن الراجح حسب كل المؤشرات تقريبا، أن يكرس حزب "تواصل" فعلا التناوب، عبر تجاوز عقدة البقاء في دفة القيادة الحزبية، وهو ما سيعطي لهذا الحزب الإسلامي ورئيسه رونقا خاصا، على حساب بقية أحزاب عدة، براقة الشعارات، إلا أنها عجزت عن التناوب الفعلي.ومن الجدير بالذكر، أن هذا الحزب رأى النور يوم 3 أغسطس2007، بعد الإذن له رسميا من طرف السلطات حينها، لتتاح الفرصة لهذه التشكيلة الحزبية للتعبير عن نفسها، في سياق القوانين المعمول بها، ورغم تجاذب أعداء وأصدقاء هذا الحزب، إلا أنه ظل محتفظا دائما برخصة اعترافه الرسمي، رغم ترجيحه لأسلوب المعارضة السلمية، وهو ما منحه إقبال الكثيرين ،وساعده الطابع السلمي هذا ،في تفادي إتاحة الفرصة لأعدائه، للقضاء عليه وحجبه عن ساحة الممارسة والظهور.
كما استطاع هذا الحزب تحقيق حضور معتبر في ساحة العمل الانتخابي، عبر الفوز بعدد من المقاعد النيابية والعمد والمستشارين البلديين، وهو ما مكنه من تزعم مؤسسة المعارضة، مقابل هيمنة غيره على دفة الحكم.
ويبدو أن الجهات المطبقة على مقاليد الحكم تدرك مدى أهمية التشريع لحزب إسلامي ذي بال، مهما بدا اسمه الظاهر عاديا، غير مباشر، مما يعطي المجال للعمل السياسي الإسلامي السلمي، بعيدا عن ساحات الصدام والعنف والتصعيد، وهو ما مثله فعلا على رأي البعض، ميدانيا، حزب "تواصل"، بصورة ما.
ولعل الظروف المحيطة بنا في سياق تجربة الحركات والأحزاب الإسلامية، تدعو حزب تواصل محليا، للكثير من التأمل في تجارب غيره في هذا السياق، للمزيد من لبراكماتية والواقعية المتوازنة واستخلاص العبر عموما، دون إفراط أو تفريط.
إن درس مؤتمر حزب "تواصل" المرتقب في مجال التناوب، جدير بالتأمل.
فالسلطة ليست سوى وسيلة للإسهام في رفع مستوى الخدمة العمومية لصالح دولة أو مجتمع أو حزب أو هيئة، أما أن تصبح معشوقا متخمرا في كيان المتمسكين بها والمقبلين عليها، فذلك هو الداء الفتاك بعينه.
فهؤلاء التواصليون مهما رضينا عن نهجهم أو اختلفنا معه، هاهم على وشك تقديم نموذج ملموس في ميدان التناوب، يقل نظيره في ساحة السياسة المحلية عموما، وبوجه خاص تجربة الأحزاب المعارضة والموالية على السواء، فهل من مدكر؟.وعلى ضوء التحريض غير البريء وغير الحذر الذي نسمعه من حين لآخر، من قبل بعض أعداء "تواصل" داعيا السلطة بشكل صريح لحل هذا الحزب.
أقول باختصار، أصحاب التوجهات الإسلامية ذات الطابع الأيديولوجي جزء أصيل من التنوع الفكري لمجتمعنا في شقه الثقافي والسياسي بوجه خاص، والتناغم مع هذا المنحى بصورة تشريعية قانونية، تتيح لأصحاب هذا المسار التعبير السلمي الحضاري عن أنفسهم، وهوخير من صور وصيغ أخرى للتواجد والتعبير، قد لا تخدم السلم الأهلي والوحدة الوطنية.
فالذين يحرضون السلطة باستمرار لإلغاء الاعتراف بحزب "تواصل"، ضيقي الأفق وأنانيين ولا يحرصون البتة، على الهدوء الاجتماعي والسياسي باختصار، ويعطون لأنفسهم حق الوجود والتعبير الحر، وفي المقابل لا يعترفون به لغيرهم، بسبب خلاف في الرأي والتصور، ما لكم كيف تحكمون.
لكن ما نعيشه من ديمقراطية محليا، رغم النواقص والمآخذ، كرس حرية الوجود والممارسة لجميع أطياف المسرح السياسي، وذلك أدعى للتعايش والاستقرار والتنمية بإذن الله.
ينبغي أن نحرص جميعا على التعايش رغم الاختلاف الطبيعي، بعيدا عن الإلغاء والإقصاء.
ومن مصلحة حزب "تواصلّ" أن يوسع مطعنه تصورا نظريا وممارسة ميدانية، في سياق من الأخذ والرد مع جميع المشارب الفكرية والسياسية، ليكون أكثر مرونة واستعصاءا على التجاهل.
حيث أن التسرع في النفوذ والاستئثار بالكعكة،من أبرز مخاطر الأسلوب الحزبي، والأولى والأنفع المشاركة والصبر على المغاير، فذلك أقرب للقبول والنجاح التدريجي.
وخلال المؤتمر الثالث العادي، لا غرابة أن يكون منبر هذا المؤتمر، فرصة للتذكير العميق المستحق بالقضية الفلسطينية، وخصوصا إن تحقق حضور بعض الشخصيات الإسلامية الفلسطينية، مثل خالد مشعل، الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة "حماس".
وأذكر مجددا للحاجة للانفتاح والتعايش ولبراكماتية.
فمع اعتماد المرجعية الإسلامية، إلا أن محصلة حفظ المكاسب وتعزيزها وتعميق وتوسيع حالة التفاهم والتشارك السياسي،كل ذلك قد يدعو إلى قدر أكبر من السلمية والواقعية والتمصلح غير المبتذل.