محمد سيد أحمد
مشكلة اصلاح التعليم في موريتانيا، تقع من وجهة نظري في كون الاصلاح في حد ذاته اتسم بكل مراحله بعبثية المحاولات الاصلاحية ومزاجيتها، فرغم وجاهة التفكير بضرورة إصلاح إلا أن تجاوز الهدف والوسيلة لأي محاولة للإصلاح والمتمثل في الكادر البشري والتمويل الكافي من بين أمور أخرى شوه محاولات الإصلاح بالإضافة إلى نقص المعدات الحديثة كإدخال المعلوماتية من الابتدائية وتوحيد الزي واضافة اللهجات الوطنية بالتوازي مع اللغات الحية
من الابتدائية والاهتمام بالقيم والتربية المدنية والاهتمام بالتربية الاسلامية والعقيدة وإزالة الحواجز النفسية بين المواد العلمية والأدبية وتشجيع التخصصات دون تمييز سلبي هي طريق الاصلاح الحقيقي من وجهة نظري القاصرة.
ومن أجل استعراض سريع لجملة المحاولات الاصلاحية ومسرها، يمكن القول أن موريتانيا تبنت منذ نهاية التسعينيات برنامجا إصلاحيا للنظام التعليمي والتربوي الوطني، وركزت الدولة آنذاك على منطلق وهدف استيراتيجي وضعت له قاعدة وجعلت أساسه الأول على توحيد المناهج الدراسية واعتمادها الكلى على الازدواجية.
إلا أن مسيرة هذا الإصلاح أنتجت جيلين منفصلين تماما جيل معرب تماما وجيل يترنح لا هو عربي ولا هو مزدوج حسب رأي المتابعين، ليظل واقع التعليم خلال العقدين الماضيين يدور في حلقة مفرغة رغم المحاولات الكبيرة لاصلاحه وإنتشاله ليرقى للمنافسة بمخرجات تواكب الديناميكية العالمية المتسارعة التطور والنمو.
مسيرة إصلاح التعليم في موريتانيا مرت بمراحل أهمها مرحلة الإنطلاق وكانت مع بداية الألفية الثانية وتحديدا مع افتتاح السنة الدراسية 1999-2000 حيث وضع نظام الرئيس السابق معاوية ولد الطايع خطة عمل لإصلاح التعليم وكان على رأس أهدافها إدخال اللغات الحية والمعلوماتية على المناهج التعليمية، وزيادة ضارب المواد العلمية واللغات على حساب اللغة العربية والتربية الإسلامية، ولعله الخطأ الذي أفشل هذه المرحلة، لتبدأ مرحلة جديدة مع بداية المرحلة الانتقالية وما تلاها من أحداث في الفترة ما بين 2005 -2011 والتي تم فيها عدة محاولات لتمرير خطة لاصلاح التعليم في موريتانيا إلا أن الصراع بين المطالبين بالتعريب والمتمسكين باصلاح 1999 كان حجر عثرة أمام تلك الخطة ليتم تأجيل الأيام التشاورية لاصلاح التعليم والتي كانت الحكومة قد قررت عقدها بدعوة 1200 فاعل ومتخصص في العملية التربوية في موريتانيا، إلا أن الصراع بين الأطراف سابقة الذكر بالإضافة إلى سخونة الوضع السياسي الذي طبع هذه الفترة التي شهدت الكثير من العوامل الداخلية والخارجية التي كان من أهمها حدب الثقة عن الحكومة والإنقلاب على الرئيس محمد ولد الشيخ عبدالله، ليعود الصراع بين قطب التعريب وقطب اصلاح 1999 إلى الصراع إلى أشده حيث وضع موضوع اللغة والهوية والمناهج التربوية، بالإضافة إلى اشكاليات التداخل في الصلاحيات بين وزير التهذيب ومعاونيه بالإضافة إلى اشكالية الاختصاص التي جعلت التعليم ملف تتنازعه وزارات عديدة في خطأ هيكلي خلال تعاقب الحكومات في الفترة ما بين 2005-2011 كنقاط بحث ونقاش طويل.
ليتم تقرير الأيام التشاورية لاصلاح التعليم في يوم 23 دجمبر 2010 حيث اجتمع أكبر قدر من الكفاءات والفاعلين والمجتمع المدني والمتخصصين في قصر المؤتمرات بانواكشوط وذلك من أجل وضع توصيات وتصور خطط واستيراتيجيات من أجل إصلاح التعليم في موريتانيا، وهو ما تم بالفعل لتبدأ مرحلة جديدة لمسيرة إصلاح التعليم في موريتانيا، 2011-2017 حيث تم خلال هذه المرحلة اقرار الكثير من الإجراءات الإدارية والمنهجية حيث تم رفع ضارب التربية الإسلامية وافتتاح مدار للامتياز لتشجيع الطلاب المتميزين وتوجيههم و إقرار 2015 سنة للتعليم، حيث تم نسليط الضوء على واقع التعليم ونواقصه كما تم بناء وترميم الكثير من المؤسسات والمدارس وفتحت جامعات جديدة متطورة وفتح مركز للغات الحية والترجمة والترجمة الفورية لتبدأ موريتانيا بخطوات ثابة نحو إصلاح حقيقي للتعليم إلا أن مراقبين ومتابعين يرون أن مسيرة التعليم في المرحلة الأخيرة رغم التغيير الإيجابي الذي تم إلا أنه كان على حساب تخصصات مهمة كالعلوم الإنسانية والسياسية وتجاهل مصير الجيل الأول الذي وقع ضحية لإقرار إصلاح لم يضع تصور لدمج ضحاياه في العمل وتوفير لأصحاب الشهادات من خريجي النظام المعرب أن يفتح أمامهم فرصا حصرية لهم لدمجهم في الوظائف وسوق العمل.