مساحة إعلانية

     

  

    

  

الفيس بوك

وماذا بعد إطلاق سراح كاتب المقال المسيء؟ / محمد الأمين ولد الفاضل

أصدرت محكمة الاستئناف بنواذيبو حكمها المستفز لمشاعر المسلمين، والذي لا شك بأنه قد صدم الشعب الموريتاني، وذلك على الرغم من أن هذا الحكم لم يكن مفاجئا، بل كان متوقعا، وكانت هناك إشارات عديدة تقول بأن السلطة الحاكمة عازمة على إطلاق سراح كاتب المقال المسيء، وتهجيره من بعد ذلك إلى دولة أوروبية، وهو الشيء الذي كنتُ قد بينته في مقال سابق تحت عنوان : "ما لم يُقل عن حراك النصرة".

صدر الحكم المسيء على كاتب المقال المسيء، وكان عبارة عن الحبس لمدة سنتين وغرامة مالية لا تتجاوز 60 ألف أوقية، وذلك مع العلم بأن رمي حذاء في وجه وزير قد تصل عقوبته إلى 3 سنوات وغرامة مالية تضاعف عدة مرات الغرامة المالية التي فرضت على كاتب المقال المسيء.
إن من يتحمل مسؤولية إصدار هذا الحكم المستفز لمشاعر المسلمين هو النظام الحاكم، لا خلاف على ذلك، ولكن ذلك لا يعني بأن هناك جهات أخرى لم  تتقاعس عن لعب دورها، وهي بذلك تتحمل ـ بشكل أو بآخر ـ  جزءا من المسؤولية في إصدار هذا الحكم المستفز لمشاعر المسلمين. ومن هذه الجهات يمكن أن نذكر العلماء الذين لم يتعاملوا مع الملف بما يستحق، وكذلك النخب التي تجاهلت الموضوع، أو تلك التي لم تأخذ الملف على محمل الجد وظلت تعتبره مجرد ملف يستخدم للإلهاء، هذا فضلا عن المعارضة التي لم تمارس أي ضغط جماهيري على السلطة من أجل إجبارها على معاقبة المسيء بما يستحق.
هناك فرصة أمام هذه الجهات لتدارك تقصيرها، ويمكن أن يتم ذلك من خلال الخروج في مسيرات الجمعة (10  نوفمبر)، والتي بدأت المخابرات العليا أو السفلى تعمل على إفشالها من خلال القول بأن هناك أوامر قد صدرت من السلطة إلى النيابة للمطالبة بالتعقيب على الحكم!
وفي انتظار أن نعرف كيف ستتصرف هذه الجهات، وهل ستعمل على تدارك تقصيرها، في انتظار ذلك، أترككم مع هذه المفارقات اللافتة التي كتبتها من قبل النطق بالحكم بساعات، والتي كانت توحي في مجملها بأن الحكم سيكون صادما ومستفزا لمشاعر المسلمين.
(1)
لقد جيء بكاتب المقال المسيء إلى المحكمة "معززا مكرما"، وفي حالة حسنة وبكامل أناقته، ولعلكم تتذكرون أن السيناتور "محمد ولد غدة" قد جيء به منذ شهر إلى المحكمة وهو في ظروف قاسية وصعبة، وكان مقيد اليدين بالحديد. لست من الذين يدعون إلى إهانة أي متهم ولا أي مجرم، ولكني شعرت بالكثير من المرارة لما تذكرت بأن السيناتور ولد غدة قد جيء به إلى المحكمة مقيد اليدين وهو في وضعية صعبة، وأقصى ما يمكن أن يوجه لهذا السيناتور من تهم هو أنه قد أساء إلى رئيس الدولة، إن كان الحديث عن الفساد، أو التشكيك في رواية رصاصات أطويلة، أو التصويت ضد التعديلات الدستورية إساءة إلى الرئيس، أما من أساء إلى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام فقد جيء به إلى المحكمة وهو في أحسن حال وفي كامل أناقته، فأي مفارقة أكثر غرابة من هذه؟
(2)
لقد منع قضاءُ رئيس العمل الإسلامي ـ أو الرئيس المقاوم إن شئتم ـ أعضاء وفد منتدى العلماء والأئمة من دخول قاعة المحكمة، وذلك في وقت سمح فيه لعدد من الأجانب أن يتقدموا الصفوف في قاعة المحكمة، وكان على رأس أولئك الغربيين الأجانب المستشار القانوني للسفارة الأمريكية. فبأي منطق يسمح للأجانب بالحضور إلى المحاكمة، وذلك في وقت يمنع فيه العلماء الأجلاء من حضورها؟
(3)
لقد تم منع فريق الدفاع عن المتضررين من الإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من تقديم مرافعاتهم بصفتهم طرفا مدنيا، وجاء ذلك استجابة لطلب تقدم به الدفاع عن كاتب المقال المسيء. ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل إن السلطات أوقفت نقطة صحفية لفريق الدفاع، وذلك بحجة أنها غير مرخصة. لقد تم منع فريق الدفاع عن المتضررين من الإساءة من الحديث في قاعة المحكمة، كما تم منعهم من الحديث خارجها في أحد فنادق العاصمة الاقتصادية. السؤال هنا لماذا تمنع سلطات الجمهورية الإسلامية الموريتانية فريق الدفاع عن المتضررين من الإساءة من التحدث من داخل المحكمة ومن خارجها؟
(4)
لقد اعتبرت "سارة ليا ويتسن"، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" أنه لا يحق لموريتانيا أن تتهم أي شخص بـالزندقة، واعتبرت أن التهمة الموجهة إلى كاتب المقال المسيء تهمة سخيفة. هكذا، وبكل بساطة تتجرأ مديرة قسم الشرق الأوسط بهذه المنظمة إلى اعتبار أن الإساءة إلى نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام هي مجرد تهمة سخيفة، وذلك مع العلم بأن هذه المديرة لا تستطيع أن تتلفظ بكلمة سوء في حق اليهود ولا تستطيع أن تشكك في المحرقة.
من المفارقات هنا أن أولئك الذين صدعوا رؤوسنا باستقلالية القضاء، وأولئك الذين كانوا يطالبون بعدم الضغط عليه، قد ابتلعوا ألسنتهم لما ضغطت  مثل هذه المنظمات  على القضاء، ولما تدخلت في أحكامه ووصفتها بالسخيفة. إن هذه المنظمات لا تخفي تدخلها وضغطها على القضاء، ومع ذلك يطالب البعض بعدم التظاهر والاحتجاج، حتى لا يشكل ذلك ضغطا على قضائنا "الشامخ والمستقل".
(5)
من المفارقات اللافتة أيضا هو أن كل أولئك الذين كانوا يتنافسون على قيادة حراك النصرة و الظهور في واجهته قد غابوا تماما عن الاحتجاجات التي تم تنظيمها في يوم المحاكمة. فأين الشيخ وأين المحامي وأين رجل الأعمال؟  ويبقى السؤال الأهم أين علماء موريتانيا الأجلاء، فهل نصرة الرسول عليه أفضل الصلاة السلام هي من الأمور التي علينا أن نظهرها إذا كان إظهارها يروق للرئيس ويوافق مزاجه، وعلينا أن نخفيها إذا كان مزاج الرئيس غير رائق ولا متحمس للنصرة؟
(6)
في الوقت الذي كان فيه كاتب المقال المسيء يتلقى أسئلة سخيفة من قبيل :هل عانيت من التهميش وأنت طفل؟ هل سبق وأن تقدمت لخطبة فتاة وامتنعت؟ وفي والوقت الذي كان فيه المحامي محمد ولد أمين يطالب من داخل المحكمة بإطلاق سراح كاتب المقال المسيء، وتعويضه عن كل ما لحق به من أضرار مالية و معنوية نتيجة للسجن. في تلك الأوقات كانت السلطات تنكل بجماهير النصرة، وتطلق عليهم القنابل المسيلة للدموع، وتعتقل عددا من المناصرين والمناصرات.
يكرم المسيء ودفاعه في المحكمة، ويتم التنكيل بجماهير النصرة، وتتحول نواكشوط ونواذيبو إلى ثكنات عسكرية، وكل تلك مؤشرات لا تبشر بخير.
هذه المؤشرات التي لا تبشر بخير تفرض علينا المزيد من الحشد في هذا اليوم الحاسم.
حفظ الله موريتانيا.. 

خميس, 09/11/2017 - 01:45