الأخبار (نواكشوط) – ناهزت مبيعات "مجموعة أهل غده التجارية" للشركة الوطنية للإيراد والتصدير "سونمكس" خلال العام 2016 وحده حوالي 10 مليارات أوقية، مقابل توفير المواد الغذائية المطلوبة لحوانيت "برنامج أمل"، وكان المبلغ هو الأقل من بين الأعوام الماضية، كما توضح ذلك الاتفاقيات الموقع بين الحكومة وهذه الشركة، وشكل أهل غدة الزبون شبه الوحيد للشركة التي أنشأت في الأصل للإيراد، والحفاظ على توازن أسعار السلع الأساسية في السوق الموريتانية.
وتكفي المبالغ التي صرفتها الشركة خلال هذه السنوات لتوفير حاجيات حوانيت "برنامج أمل"، والحصول على أرباح تحفظ لها توازنها المالي.
ووصل المبلغ الإجمالي الذي صرفته شركة "سونمكس" في العام 2016 إلى 10.280.000.000، خصصت 4 مليارات منه لتوفير 40.000 طن من القمح لحوانيت أمل داخل البلاد، فيما وجهت 1.6 مليار أوقية لتوفير 10 آلاف طن من السكر (8000 للحوانيت داخل البلاد، و2000 لحوانيت نواكشوط)، و4.68 مليار أوقية لتوفير 15 ألف طن من الزيت، (9 آلاف منها لحوانيت الداخل، و6 آلاف لحوانيت نواكشوط).
وسجلت الكميات التي تم شراؤها خلال العام 2016 تراجعا مقارنة مع الأعوام السابقة، فمثلا كانت كمية السكر في العام 2014 أكثر من 16 طنا، وذلك لتغطية 292 حانوتا في مقاطعات نواكشوط التسع، في حين لم تتجاوز كميتها 2016 – 2000 طن لتغطية العدد ذاته من الحوانيت.
جدول يوضح الكميات التي اشترتها الشركة 2016
وتحولت الشركة من منافس تجاري للقطاع الخصوصي، وأداة لكسر الاحتكار، إلى زبون لمنافسيها، ومصدر رئيسي لتمويلهم، حيث وفرت لهم سوقا بالمليارات سنويا.
توقيف خط التمويل
"تنازل" الشركة عن الاستيراد أفقدها أرباحا هائلة، كانت كفيلة باستعادتها لتوازنها، وذلك في ظل حصولها على "فرصة" عقد مرابحة بقيمة 15 مليون دولار من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة ITFC التابعة للبنك الإسلامية للتنمية، وذلك مقابل نسبة ربح لا تتجاوز 6%، في حين تصل الشركة – أيام الاستيراد إلى 25%.
وعطلت الحكومة خط التمويل "الدولي" الجاهز دون أي مبررات، لتخلو سوق المواد الغذائية لكبار التجار في هذا المجال.
في انتظار المحرقة
أدى قرار الحكومة تموين حوانيت "برنامج الأمل" من الأرز الموريتاني إلى مضاعفة محاصيله الزراعية بأكثر من 300% خلال سنوات قليلة، حيث انتقل من 19 ألف طن في العام 2011، إلى أكثر من 75 ألف طن 2015، وأدت هذا الزيادة المعتبرة إلى وجود فائض عن حاجيات حوانيت "برنامج أمل".
ونتج عن ذلك اكتظاظ مخازن الشركة بعشرات الآلاف من أطنان الأرز الموريتاني، ولتسيير هذا الفائض قررت إدارة الشركة بيع الأرز الموريتاني بالجملة في مخازنها، غير أن أوامر حكومية وضعت حدا لمحاولات الشركة "التخلص" من آلاف الأطنان من الأرز قبل تلفها في المخازن.
وتسببت هذه الـ"أوامر" في تكدس عشرات الآلاف من الأطنان في مخازن الشركة بنواكشوط.
تصاعد إنتاج الأرز الموريتاني 2011 – 2015
وبحسب تقرير مخبري صادر إبريل الماضي فإن حوالي 24 ألف طن من الأرز الموريتاني الموجود في مخازن الشركة لم تعد صالحة للاستعمال، (12.5 كان فسادها بسبب اشتعال كميات من الأعلاف في مخازن مجاورة لها على طريق الشاطئ، فيما فسدت بقية الكمية بسبب ظروف التخزين)، وهو ما يعني خسارة الشركة لـ5 مليارات أوقية دفعة واحدة جراء قرار حكومي غامض المبررات والدوافع، وأكبر مستفيد منه هم مستوردو الأرز للسوق الموريتانية، فضلا عن تركه لصورة سلبية عن المنتج الموريتاني.
وتتكتم السلطات الموريتانية على التقرير الصادر عن مختبر مختص، وتبحث عن طريقة أخرى للاستفادة من كميات الأرز في الأعلاف لتجنب حرقه، ومحاولة لتخفيف حجم الخسارة فيه.
وكانت الحكومة الموريتانية تتولى – بشكل كامل – شراء منتوج 17 مصنعا لتقشير الأرز، كان أكثرها مبيعات للحكومة مصنع SPSIA" المملوك لرجل الأعمال لعمر ولد ودادي، قبل أن تقرر في العام 2016 التخلي نهائيا عن شراء منتوج الأرز بعد أن تضاعف بشكل لافت، وانتقل من العجز عن توفير حاجيات إلى حوانيت "برنامج أمل" إلى تحقيق فائض كبير.
"إملاءات" في شكل اتفاقيات
أثمر تراجع نسبة الخصوصيين في رأس مال شركة "سونمكس" من 32% إلى 9% في العام 2008 إلى إضعاف موقفها التفاوضي في مواجهة الحكومة، حيث أضحت شبيهة بالشركات العمومية التي تراد بـ"الإملاءات" والقرارات المباشرة، وظلت مكاسبها في تراجع مع كل تجديد للاتفاقية في بداية كل عام.
وتظهر مقاربة الاتفاقيات خلال الأعوام 2014 – 2015 – 2016 - والتي حصلت عليها الأخبار وتنشرها لأول – سحب الحكومة التدريجي للامتيازات التي كانت تستفيد منها الشركة، وهو ما انعكس على الشركة على أكثر من صعيد، وأدى لتسريح العشرات من عمال "برنامج أمل" خلال السنتين الأخيرتين.
فقد اختفت مبالغ كبيرة كانت مخصصة لبعض البنود، وتم نقص بعضها الآخر إلى النصف.
توقيع بـ"أثر رجعي"
الاتفاقية الأكثر "إجحافا" في حق الشركة كانت اتفاقية 2015، وهي الاتفاقية التي وقعها المدير الحالي للصندوق الوطني للتأمين الصحي، والمدير السابق للشركة دب ولد سيدي ولد زين، فيما وقعها الحكومة وزير المالية المختار ولد اجاي، ووزيرة التجارة الناها بنت مكناس، ومفوض الأمن الغذائي سيد أحمد ولد باب.
الاتفاقية وقعت – فعليا – يوم 30 مارس 2015 حسب ما أكدته مصادر الأخبار في الشركة – وذلك يوما واحدا قبل تسليمه العمل للمدير الجديد للشركة محمد الأمين ولد خطري الغريم السياسي للوزير الأول يحي ولد حدمين، وبضغوط من جهات متعددة تم تقديم تاريخ التوقيع إلى اليوم الذي سبق إقالة ولد زين.
فقد ظهر الاتفاقية في شكلها النهائي وهي موقعة يوم: 04 – 03 – 2017 أي يوما واحدا قبل تحويل مجلس الوزراء لولد زين من إدارة شركة "سونمكس" إلى إدارة الصندوق الوطني للتأمين الصحي، في حين أن توقيعها كان بعد ذلك بـ25 يوما.
هذه الإجراءات المتلاحقة، والخسائر المتتالية أدخلت الشركة مرحلة الترنح، وكانت أزمة "الأسمدة" التي ظهرت بوادرها منذ العام 2012، قبل أن تنفجر منتصف العام 2016 كفيلة بإيصال الشركة لحافة الإفلاس، وهو ما فرض على الحكومة في النهاية تشكيل "لجنة أزمة" للتعامل مع الواقع الخطير الذي وصلته الشركة.
في الحلقة القادمة نتناول تفاصيل صفقات الأسمدة، وأبرز المتورطين، وكواليس إجرائها، إضافة للخروقات التي عرفتها، وأبطالها من نافذين وضحايا.
يشكل هذا التقرير الحلقة الثانية من سلسلة تقارير تعدها الأخبار عن العمليات التي تعرضت لها الشركة الوطنية للإيراد والتصدير "سونمكس" خلال السنوات الأخيرة، ونقلتها من مرحلة تعاف اقتصادي إلى حافة الانهيار، وأدت بالحكومة لتشكيل "لجنة أزمة" تضم عدة قطاعات حكومية لدراسة سبل التخلص من عبئ شركة "سونمكس".