بقلم عبد الفتاح ولد اعبيدن
تأسس جيشنا بقرار من حكومة ولد داداه، تحت الرقم 189/60 وذلك بتاريخ 25نوفنمبر1960، وقد أسس هذا الجيش أول وزير دفاع في موريتانيا السيد محمد ولد الشيخ ولد أحمد محمود، الذي مثل أحد أهم الشخصيات الوطنية بامتياز في تاريخ الوطن المستقل للتو وقتها، وقد توفي لاحقا سنة 2013، رحمه الله.
لكن انقلاب 10 تموز يوليو 1978 قلب الطاولة وأدخل الجيش في دوامة الطمع والأنانية وحماية الفريق الحاكم الانقلابي ولو على حساب الوطن وحتى المؤسسة العسكرية ذاتها.
وعلى مدار قرابة 30 سنة أو أقل بقليل وإلى اليوم طبعا، ظل الجيش أسير إدعاء الصلاحية النموذجية للحكم وشؤونه المتعددة، والواقع أن البلد يسير القهقرى أي إلى الوراء على رأي البعض، حين يقارن مع أضعف جيراننا، ومهما كانت المنجزات والايجابيات المدعاة فترة حكم العسكر فإن أول الضحايا كان العنصر البشري الموريتاني تحت ظل حكم هؤلاء، حين حكموه بأسلوب الغبن والقهر، فتحول المواطن الموريتاني غالبا إلى مسخ من الخوف والتزلف والتسول وكأنه غير مستحق وغير جدير.
فالحكم العسكري مبدئيا، حسب التجربة في مختلف البلدان، مهما كانت ايجابياته، لا ينبت إلا بقدر ما يفسد ويغذي التربة بعوامل إفناء أو تتفيه على الأقل ما ينبت، إن صح الإطلاق.
لقد ظل كل منجز تقريبا أو بالأغلب الأعم هشا في ظل تجربة حكمهم، ومفخخ معرض أي هذا المنجز للتفخيخ والزوال بسبب كثرة الانقلابات وتعدد عوامل عدم الاستقرار الأصلية والطارئة، مما أضعف تجربة الدولة الموريتانية منذو 1978، وعقد إدارة الشأن العام وجعل الوطن دائما مأزوما على كف عفريت، لكن الطابع المتسامح لشعبنا برمته أو في أغلبه على الأصح وتمسكه بعروة الإسلام لله الحمد، ظل صمام الأمان والتماسك النسبي الحذر رغم جملة وكثافة المخاطر الحقيقية المربكة بحق وموضوعية.
ضاع المال وضاع أسلوب الحكم الصحيح أحيانا، ومدح الحاكم الانقلابي المتغلب إلى حد الطيش، من وصف البعض القرءان، زلة لسان، ب"هدية متواضعة" وإلى قول مثير بحق في مدح الرئيس الحالي "أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف".
وظل المسؤولون منشغلون ، منذو 10تموز 78، بخاطر الرئيس ووزيره الأول، بدل الانشغال بأداء المسؤولية والأمانة الثقيلة التي أقدموا على التكفل بها من شدة الجهل والغشم، حسب سياق الآية القرآنية في هذا الصدد.
وباستثناء حالات محدودة ظلت محصلة مستوى أداء المسؤولية عندنا في موريتانيا العسكر بوجه خاص تكريسا ملموسا بشعا للقبلية والمحسوبية والتمييز البعيد من العدل أو حتى مما يشبهه.
فهل ترى هذا الحال المزعج المقزز بحق، متبدلا يوما نحو الأحسن أو المقبول على الأقل.
أما الجيش إجمالا فما عاش الطابع الجمهوري المحترم نسبيا إلا ما قبل الانقلاب الأول المذكور سابقا، رغم ما شاب مرحلة التأسيس من تبعية ضمنية لفرنسا والمغرب لاحقا بعد امتناع مؤقت عن الاعتراف باستقلالنا، كما تأثر جيشنا الناشئ بشدة بحرب الصحراء، وهو ما دفع بوجه خاص أغلب الصف الأول من الضباط للخلاص من أول نظام سياسي مدني ،حكم البلد برئاسة المحامى الأستاذ المختار ولد داداه رحمه الله.
ومن وجه آخر تأثر الجيش وقتها بضعف مستوى الثقافة والتكوين والوسائل، لكن الطابع الدستوري الجمهوري لجيشنا حينها كان أقرب، عبر الانشغال بحماية الحوزة الترابية والتبعية الحرفية الحضارية للحكومة المدنية، رغم أن هذا الطابع الجمهوري لم يترسخ للأسف، وذلك لأسباب عدة، من أهمها سرعة الدخول في دوامة الانقلابات ولعبة السلطة والطمع.
إنني محتك بالشأن المحلي يوميا، ومنذو سنوات عديدة ، وأتوقع تغييرا دستوريا ثانيا بشأن فتح المأموريات الرئاسية وإلغاء قفل العهدتين على وجه راجح عبر الجمعية الوطنية وفي آخر العهدة الرئاسية الحالية، وهو ما يدعوني لدعوة المؤسسة العسكرية لتغليب الطابع الجمهوري عبر الرضوخ لأوامر مرؤوسيها والابتعاد عن أي انقلاب جديد إطلاقا والحفظ التام للأمن مع ضرورة دراسة الرئيس وفريقه القيادي لمواقع أقدامهم، والحذر الشديد من القمع للاحتجاجات السلمية، فالضغط الزائد محصلته الحتمية الانفجار، وفي جزء الخطاب الاستعجالي المتعلق بالمدنيين في شأن هذا التغيير الدستوري الحساس المرتقب للأسف.
معشر الشعب الكريم الذكي الفطن، تجارب شعوب ودول أغلب الربيع العربي أعطت الإشارة بخطورة الصراع السياسي الحاد، لأنه يتحول بسرعة وسهولة أحيانا إلى صراعات دموية متنوعة لا حصر لها.
فالأولى والأجدر بالجميع التقارب والتفاهم على صيغة ما جامعة من أجل الوطن، وإلا فلا حل إلا الصبر ومجافاة العنف مطلقا، وإن فضل البعض الموالاة المطلقة أو المعارضة المطلقة ، فلتكن في حيز سلمي طويل النفس، ففي الوقت مهما طال ، متسع لإصلاح حال الوطن تدريجيا ، وبعيدا البتة عن العنف بإذن الله وحفظه.
اللهم آمين.