مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

ملاحظات حول رد وزارة الاقتصاد و المالية على مقال موسى افًال

على اثر مقال كتبه السيد موسى فال، القيادي في المنتدى الوطني من أجل الديمقراطية  و الوحدة، شرح فيه أسباب القلق الذي ينتاب البلد ومواطنيه، دبجت وزارة المالية والشؤون الاقتصادية مقالا بتوقيع أحد مستشاريها، هاجمت فيه المنتدى ورؤيته للأوضاع. 

وعند ما فكرت في الرد على مقال الوزارة، و بعد قراءة ثانية للنصين، ظهر لي في البداية أن إعادة نشر مقال السيد موسى افال قد يكون كافيا للرد عليها، حيث أن ما كتبته لم يفند أيا من الحجج الدامغة والأدلة الدقيقة كما أنه لم يستطع تكذيب أي من الأرقام الواردة في النص المذكور، وربما كان  السكوت أفضل لها. وقد يكون الدافع الوحيد للوزارة هو من باب التمرن المستمر على الدفاع عن القضايا التي لا يمكن الدفاع عنها.

و لكنني ارتأيت رغم ذلك أن أعرج على بعض النقاط  الواردة في رد الوزارة :

لقد بين السيد موسى افال في مقاله أن النظام اعتمد على زيادة مذهلة للضرائب المباشرة و غير المباشرة على المواطنين و المؤسسات و على المعاملات التجارية، بما فيها الرسوم الجمركية على مواد استهلاكية أساسية، لتعويض الموارد الهامة التي كان يجنيها من القطاع المعدني في سنوات الطفرة لتبقى الميزانيات في المستويات التي كانت عليها في سنوات ارتفاع أسعار المعادن. كما ازدادت "الجزية" التي يفرضها النظام على كل من يشتبه في عدم أو ضعف ولائه. و في ردها حول الضرائب، أسهبت وزارة الشؤون الاقتصادية والتنمية في الحديث عن الوعاء الضريبي، وهو الموضوع الذي لم يتطرق له مقال السيد موسى فال، وتحاشت الرد على الأرقام المحددة التي قدمها حول المستوى غير المعقول الذي بلغه ارتفاع الموارد المحصلة من الضرائب. و ورد في المقال "ان زيادة الضرائب المقررة في إطار قانون المالية المعدل في أغسطس 2015 قد تجلت سنة 2016 في واردات إضافية بنسبة 22,7 في المائة على مستوى الرسوم على البضائع والخدمات، و240,2 في المائة على مستوى الرسوم على المواد البترولية، و71 في المائة على مستوى الرسوم على المواد الاستهلاكية". فلماذا لم ترد الوزارة على هذه الأرقام لتفندها إذا كانت غير صحيحة أو لتبررها إذا كانت حقيقية؟ 

و كان هذا الارتفاع المذهل السبب الأساسي في الارتفاع غير المسبوق للأسعار ولا يمكن تبريره بالأسعار الدولية للمواد الأساسية التي لم تعرف ارتفاعا ملفتا حسب المنظمة الدولية للأغذية في الفترة الماضية بل قد تراجع سعر السكر (على سبيل المثال) ب30% في سنة 2014 ويتوقع أن يتراجع إلى مستويات أدنى خلال السنوات القليلة المقبلة حسب نفس المصدر الذي يبين من ناحية أخرى أن أسعار الحبوب قد تراجعت  خلال السنة الماضية. و قد ساهمت بشكل هام في التعويض عن تراجع الواردات من قطاع المعادن الأرباح الفاحشة التي تجنيها الدولة من أسعار المحروقات التي أصرت على أن تبقى في مستوى مرتفع، رغم التراجع الكبير في سعر البرميل دوليا.  

و قد برر النظام إصراره على هذا المستوى المرتفع لأسعار المحروقات بأن الفقراء لا يملكون سيارات للاستفادة من تخفيض هذه الأسعار. فعلا، الفقراء لا يملكون سيارات و لذا يشكل النقل أحد أهم مصروفاتهم، كما أنهم يتأثرون من ارتفاع أسعار المحروقات الذي ينعكس مباشرة على أسعار النقل والبضائع. و لفقرهم، فان معاناتهم من هذه الحالة أشد من معاناة الأغنياء. ضف إلى ذلك ضرر ارتفاع تكلفة الطاقة على القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني، كما يضرها، من بين أمور أخرى، ارتفاع الضرائب، الأمور التي جعلت بلادنا في ذيل القائمة في الترتيب الدولي حسب هذا المؤشر. وفي هذا المضمار، فان النظام لا يجد ما يبرر به سياسته المتمثلة في رفع الأسعار والتربح من أسعار المواد البترولية سوى حوانيت "أمل". إن هذه الحوانيت لا تكفي من ناحية عددها وتوزيعها إلا لتلبية حاجة عدد قليل من السكان، و الأدهى من ذلك أنها لم تعد تمون بصورة منتظمة مع تراجع جودة  المواد الموفرة. ضف الى ذلك أن العاملين بها يقضون أكثر وقتهم في التظاهر من أجل الحصول على رواتبهم وغيرها من المستحقات. و يجدر التنبيه هنا أن هذه الحوانيت لا يمكن لها و بطبيعة الحال أن تساهم في تخفيف معاناة السكان في المجالات الحيوية الأخرى: الماء، الصحة، التعليم، الكهرباء.. و لكن حققت هذه الحوانيت للنظام دورا أساسيا، فقد أصبحت الحجة التي يواجه بها كل الانتقادات التي توجه إليه: فمن أجلها بقت أسعار المحروقات في مستوى لا يطاق و من أجلها ازدادت الضرائب بشكل مذهل.. حتى كاد يبرر بها الوزير بيع سكن السفير في واشنطن.

جاء في مقال الوزارة أن المنتدى يوهم المواطنين بأنهم ينامون فوق خيرات كثيرة  و ينسى أن الاستفادة من هذه الخيرات تستدعي أن نمتلك رأس المال البشري و التكنولوجي و النقدي.  و هنا لنا أن نتساءل ما ذا فعل النظام طيلة السنوات الثماني التي مضت على حكمه من أجل تنمية رأس المال البشري والتكنولوجي؟ ألا تزال موريتانيا في ذيل قائمة الدول في مجال التعليم وتكوين المصادر البشرية؟                ألا تزال النسبة المخصصة للتعليم في ميزانية الدولة هي أخفض النسب بالمقارنة    مع الدول المشابهة؟ ألا تزال توصيات المنتديات العامة للتعليم الصادرة منذ ست سنوات حبرا على ورق؟ ألا تباع المدارس دون أن تشيد أخرى في نفس الأحياء لتعويضها مما  يكلف آلاف التلاميذ من الأسر الضعيفة مشقة التنقل إلى مدارس بعيدة مكتظة أصلا؟ ألم تتدن نسبة النجاح في الباكالوريا الى ما تحت العشرة في المائة؟ ألا يقضي عشرات حملة الشهادات العلمية جل وقتهم في الوقفات أمام الإدارات استجداء للتشغيل؟ ألا يتم العبث حاليا بمصير العشرات من طلاب ما كان يسمى مدرسة المعادن؟ وما ذا فعلت لتنمية رأس المال النقدي؟ ألم تبدد الأموال الطائلة التي حصلت عليها البلاد خلال السنوات الماضية؟ هل استثمرتها في استغلال خيرات البلاد أو تنمية موارده ؟ وقبل الحديث عن الخيرات التي في جوف الأرض، هل المواطنون مستفيدون مما هو على سطحها وما هو مستغل حاليا منها؟ لقد عانى العديد من البلدان النامية من هذه الإشكاليات إلا أنها تغلبت عليها بتحسين مناخ الأعمال لجلب الاستثمارات بضمان عدالة مستقلة وتوفير التسهيلات الضرورية الأخرى. و قد فشل النظام في هذا المجال حيث تقبع بلادنا في ذيل ترتيب الدول حسب قدرتها على جلب الاستثمارات الخارجية. وعلى كل حال فإن النظام قد اكتشف طريقة ليستفيد هو وحده من هذه الخيرات رغم العقبات المذكورة، لا تتوقف على الموارد البشرية ولا التكنولوجيا ولا غيرهما.

 يرفع النظام دائما حجة زيادة الناتج الداخلي الخام في وجه من يقولون وبحق ما يقوله الواقع المعاش وهو أن المواطنين يزدادون فقرا يوما بعد يوم وسنة بعد سنة. وفعلا عرف هذا المؤشر ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة إلا أن الجميع يعرف  أن هذه الزيادة لا تعني بالضرورة التنمية إذا كانت عائداتها لا تساهم في تحسين أحوال المواطنين، لأنها لا توجه إلى القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والخدمات الأساسية التي هي مكمن إعادة توزيع الثروة. كما أن ارتفاع معدل الدخل الفردي لا يعني بالضرورة زيادة القوة الشرائية للمواطن إذا لم يكن هناك توزيع عادل للثروة، إذا كانت ثمرة هذه الزيادة محتكرة من طرف دائرة ضيقة لا تعرف التقاسم ولا الإنصاف. وهذا هو الحال في البلد. وعلى كل حال فان هذه الزيادة لا فضل للنظام فيها، حيث أنها ناتجة أساسيا عن الارتفاع الصاروخي في الأسعار الدولية خلال السنوات الماضية للمواد الأولية التي تصدرها البلاد. فقد ارتفع سعر الحديد، القاطرة الأساسية للاقتصاد الوطني،  بصفة متواصلة، من 60 دولارا في أغسطس 2008 إلى 187 دولارا في فبراير 2011 وبقى في مستويات مرتفعة فوق المائة دولار ولم يتراجع إلى المستوى الذي كان عليه 2008 حتى مايو سنة 2015. كما عرف سعر الذهب و النحاس ارتفاعا غير مسبوق خلال نفس الفترة. أما القطاعات التي تتحكم الدولة في نموها كالزراعة والتنمية الحيوانية والصيد البحري فلم تساهم بقدر يذكر في زيادة الناتج المحلي الخام.

لقد "استثمرت" الموارد التي جنيت من الطفرة الاقتصادية ومضاعفة المديونية في مشاريع غير مدروسة، لا مردودية و لا أولوية لها، يمكن أن نذكر منها على سبيل المثال: المطار الجديد الذي صمم لاستقبال مليوني مسافر وهو العدد الذي لن يصله قبل عقود من الزمن و الذي كلف "سنيم" خارج "تلك الصفقة" 50 مليون دولار ويشكل تسييره وصيانته عبئا ماليا هاما؛ شركة الطيران الآئلة حتما إلى الإفلاس و التي لم تنشر أي بيان مالي منذ نشأتها للتستر على النزيف المالي الذيي تسببه للبلد؛ انشاء مدينة عصرية في الشامي على أرض قفر بدون سكان في الوقت الذي تغرق فيه أحياء كثيرة من العاصمة عند أول قطرة مطر وتسد شوارعها القمامات الضارة؛ شركة النقل الحضري التي تسعفها الدولة بمنح من الميزانية وقامت في هذه الأيام بتسريح العشرات من عمالها بسبب الإفلاس؛ شركة أعمدة الكهرباء التي تفتح أبوابها عند زيارة الرئيس و تقفلها فور مغادرته؛ شركة الألبان في النعمة التي ولدت ميتة؛ مشروع السكر الذي ما زال مشروعا بعد سنوات من الإعلان عنه و قد يكون أصبح الهدف منه الوحيد هو توفير راتب و امتيازات مريحة لرؤساء الحزب الحاكم؛ قناة كر مسين التي تم تنفيذها من دون دراسة في أراض يصعب استغلالها بسبب الملوحة، و التي أنجزت من قبل شركة أجنبية لها شركاء متنفذون بثمن باهظ مقارنة بتكلفة مشاريع مماثلة؛ تعبيد الطريق الموصل الى قرية بنشاب من الشرق ومن الغرب في الوقت الذي تهمل فيه الدولة طريق روصو- نواكشوط، شريان التبادل الاقتصادي مع دول جنوب الصحراء و الذي يربط العاصمة بإحدى أهم الولايات و يسهل تموين منطقة زراعية هامة و تصدير منتجاتها..

لا أظن أن النظام يريد من بيع العقارات العمومية أي مساهمة تذكر في زيادة الموارد المالية، كما لم يخضع هذا البيع لمسطرة قانونية و لا لقواعد الشفافية، رغم ما قيم به من مظاهر تحي بالعكس. و كيف إذا كان شفافا أن يكون كل الفائزين (و هم معروفين) في "المنافسة" من محيط السلطة؟ وكيف نصدق الوزير حين يقول أن الفائزين بقطع مدرسة الشرطة يحسبون بالعشرات و شكل البناء واحد و المصمم و مراقب الأعمال واحد (معروف) و المقاول واحد (المعروف هو الآخر)؟ و كان من المفضل، و الظاهرة تنتشر، أن يكون بيع هذه العقارات مجازا من قبل البرلمان، ضمن برنامج شامل واضح المبررات.و لا أرى  لبيع عقارات الدولة من تفسير إلا أن يكون شكلا من أشكال لعبة "مونوبولي" التي يفوز فيها من حصل على العدد الأكبر من المواقع الإستراتيجية في المدينة.

 

 

لم يتسع عدد الأثرياء في عهد هذا النظام، كما تدعي الوزارة، بل افتقر البعض و نقص ثراء البعض الآخر بسبب استهداف النظام الغريب لطبقة الأثرياء "القدماء". لكن عددهم ازداد بقلة لا تتجاوز العشرين اخترها النظام و "صنعها" بعد أغسطس 2008 بطرق أصبحت مكشوفة عند الجميع. فالصفقات تمنح بالتراضي لمؤسسات تتحكم فيها الدولة (آ.ت.ت.م.، آنير، الهندسة العسكرية، سنات إلخ.) لتتنازل عنها بدورها بالتراضي كذلك قبل أن يجف حبر التوقيع لأشخاص معروفين من المجموعة المحظوظة. وأصبح لكل وزارة و لكل مؤسسة عامة موردها و مقاولها و وسيطها "المفضل"، منتقى من هذا النادي المغلق. وبما أن هؤلاء الأثرياء الجدد مدللون ولا يحاسبون قل مشروع ينتهي في آجاله المحددة أو ينجز بمواصفات الجودة المطلوبة. ضف الى ذلك أن هذه الفئة الجديدة لا أثر لها يذكر في مجال الأعمال قبل أغسطس 2008. و من الملحوظ أن هذه العشرين ينتمي جلها إلى المحيط الضيق للنظام إذا لم يكونوا يشغلون مناصب عليا فيه بالتوازي مع أعمالهم الخاصة.

 و أخيرا، استغربت اعتراف بل تبرير الوزارة، تعمد النظام على حصر منفعة الدولة على من يتظاهر بالمبايعة و الولاء، و إقصاء كل من يعارضها حيث تتساءل الوزارة في فقرة من ردها و بكل تكبر و ازدراء، " لماذا تمنح (الحكومة) الصفقات لمن يعارضها؟". إن هذا ليس منطق دولة القانون و المساواة التي تدعونها، بل هو منطق عصابة تعتبر الدولة و مقدراتها غنيمة انتزعتها بقوة السلاح، وخارج القانون، ترزق منها من تشاء و تحرم من تشاء.

 

و فعلا، ليس من يلمس كمن يسمع، كما قالت الوزارة. فسمع الشعب مرارا و تكرارا أن البلد في أحسن حالة اقتصاديا و ماليا، و أن فائض الميزانية بلغ عشرات المليارات، و أن الخزينة العامة فاضت صناديقها من المال، و أن البنك المركزي يكتنز مئات الملايين من الدولار، وذلك ما يسمعه الشعب كل يوم من السلطة. أما ما يلمسه فهو الفقر و ارتفاع الأسعار و غلاء المعيشة و تفشي البطالة و تدني الأجور و غياب الصحة و تدهور التعليم و رداءة الخدمات الأساسية.. ففعلا ليس من يلمس كمن يسمع.

محمد الأمين ولد ديداه، اقتصادي، عضو مجلس المتابعة

 و التشاور في منتدى الديمقراطية و الوحدة

 

 

 

 

أحد, 01/01/2017 - 00:25