مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

قصتي مع مكناس...؟

 د. تربة بنت عمار

 

بعد مضي ثلاث سنوات كان ذلك اليوم من أماسي نوفمبر من 2013 حين حزمت أمتعتي وغادرت المدينة التي أحببت، بالتحديد من محطة "مكناس " كان ذلك المساء ماطرا وكانت مدينتي ساحرة كعادتها، سحرها خاص لأنه متدثر بعبق التاريخ وعظمة الخصوصية المغاربية، تلك الهوية التي تشكلت

 بعدما اطمأنت نفوس أهل الغرب الإسلامي للدين الجديد مع الرعيل الثاني من الفاتحين كموسى بن نصير(19-97هـ) ذلك الرجل العربي القحطاني (مع خلاف في النسب) الذي أستطاع أن يثبّت أركان الدين الإسلامي بحنكته وحسن تدبيره، لتحتضن منطقة المغرب الأقصى أعظم تجربة حضارية وثقافية كانت مدينتي (مكناس) ثالث عاصمة سياسية خلطت بين العرب والأمازيغ بقيادة علوية أضفت جانبا روحيا ودينيا توافقيا...
"مكناس التي تزخر بتاريخ عريق تحكي عنه أسوارها وأبراجها وجوامعها ومآذنها العديدة وأضرحتها وزواياها.ومآثرها التاريخية التي ظلت شامخة شموخ جبال الأطلس وجبال زرهون التي تحيط بها من كل ناحية. فمدينة مكناس مدينة الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ العريق".
"كان طموح المولى إسماعيل هو أن يجعل مكناس مدينة تضاهي العواصم الأوربية حتى أنها وصفت بفرساي المغرب مقارنة مع فرساي الملك لويس الرابع عشر المعاصر للمولى إسماعيل وقد عرفت  المبادلات والسفارات بين العاهلين شأوا كبيرا آنذاك."   فكانت مكناس منطقة عبور واستقرار منذ عهد قديم ..
    ففي وسط المدينة القديمة يرقد مولاي إسماعيل مؤسس الدولة الإسماعيلية وبجنبه زوجته الأميرة المغفرية الشنقيطية إخناثه بنت بكار، تلك السيدة العظيمة التي كان حضورها بارزا في تأسيس الدولة الإسماعيلية وكان قصر مكناس بيتا للشناقة من علماء وأمراء وشعراء وحجاج..
     هذا المساء عدت لأحضان مدينتي " والعود أحمد" مدينتي التي عانقت فيها الدعوة للتجديد ففيها قرأت أول سطر من الدعوة لتكسير الجمود كان ذلك مع مدرسة المنار تلك المدرسة الدينية  التفسيرية التجديدية التي حاصرتها الدوائر التقليدية وداستها أقدام حراس الجمود أعداء التفكير.. لتختفي خلف الأسوار الأكاديمية الضيقة.. وفيها قرأت للجابري وللمرنيسي، وفيها أيضا قرأت الخبز الحافي لمحمد شكري وكذلك رائعة عبد الكريم غلاب دفنا الماضي...
        تأسست مكناس في ذهني ربيع 2005 فاقترنت عندي بالجمال والعلم والتاريخ والأصالة والتصوف والأدب والرؤية المستنيرة للأشياء، ففيها رسمت طريقي للنضال في قضية المرأة، فكانت خصومتي  مع التراث العربي الذي تم إحياؤه في مرحلة تاريخية حاسمة ،  فهو الذي أدخل المرأة حظيرة الحريم ومنعها من المشاركة في الأمر العام حجب عنها العلم سجنها مع الصغار ليصدر بعد ذلك الفقه  "الذكوي" مذكرة توقيف في حقها ضد مشاركتها في حمل الأمانة ومهمة الاستخلاف نظرا لسذاجتها وقصور فهما وعدم صلاحيتها لتقديم الرأي السديد...!!!!.
     بكل اختصار مكناس تمثل محطة بارزة في حياتي العلمية غطت مساحة زمنية من حياتي ما بين مارس 2005 حتى أكتوبر 2013 تسع سنوات كانت راقية وجميلة ولها معنى وتأثير على تكويني...
   جامعة مولاي إسماعيل معلمة أكاديمية هامة بالنسبة لي ففيها صحبت الكتاب وقرأت وتجاوزت السطور لنصل لمرحلة التحليل لنستنتج من النص نصا آخر نسقطه على واقعنا لتكون للقراءة والبحث معنى، ولكي نخلّص العلوم الإنسانية من الجمود والتحجر حد الانزواء عن ديناميكية الحياة، وذلك لعمري هو المطعن الذي يوجهه خصوم العلوم الإنسانية نحوها. لكن لتوليد النص نحو التجديد خصوم أكثر وأقوى شراسة ...!!.
     ففي مكناس تعرفت على نخبة من الطلبة الباحثين من مختلف جهات موريتانيا.. لقد كانوا مميزين حقا...!!
       شكرا أخي سيدي بياده الذي أخذت بيدي أحد أيام الأسبوع الثاني من مارس 2005 من الرباط لتهديني لمدينة مكناس التي بدت لي من أول نظرة مدينة عتيقة متبتلة في عزة وكبرياء اختار لها التاريخ موقعا جغرافيا بين الجبال والأودية الغنّا...
    شكرا الدكتور الخلوق المتواضع  محمد سايسي رئيس وحدة الدرس القرآني والعمران البشري الذي ختمت بطابعك على ورقة القبول الأولي بعد رفض قصير رجعت عنه بتدخل من أخي سيدي بأنني خريجة محظرة عندما اعتذرت أولا عن قبولي بحجة خلو كشف درجاتي من الدراسات الإسلامية، لتجلسني على كرسي وتخرج سيدي وتدعو الدكتور حميد الوافي عضوي المجلس العلمي للوحدة وتمطرني بأسئلة بسيطة وغير معقدة كانت حول مدارس التفسير ودور الإنسان في تعمير الأرض ... مع شيء من التاريخ أقرب هو للثقافة العامة...
     كانت أجوبتي بسيطة وعفوية أحسن ما فيها أنها غير متلعثمة أقرب للاسترسال لعدم فهمي أن تلك الأسئلة كانت هي المقابلة العلمية، حتى انتهت المقابلة وحصلت على الموافقة ليتبين أنني اجتزت الامتحان بنجاح الحمد لله لنلج باب كليّة الآداب بمكناس ونحط الرحال في حي الزيتون الشعبي والبسيط القريب من الكليّة ذلك الحي الذي ستكون لي معه قصص وذكريات ...

أحد, 04/12/2016 - 14:49