مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

حفظ الله موريتانيا

محمد الأمين ولد الفاضل

 

في يوم الجمعة الموافق 10 يناير 2014 خرجت جماهير غفيرة في مسيرة في اتجاه القصر الرئاسي، وذلك للمطالبة بإعدام كاتب المقال المسيء.
هذه المسيرة استقبلها "رئيس العمل الإسلامي" بعمامته الزرقاء، وبنظاراته السوداء، وبخطاب جاء فيه: "أيها المواطنون، أيها المسلمون، 

أشكركم كل الشكر على تواجدكم في هذا المكان تنديدا بهذا الإجرام الذي اقترفه شخص في حق ديننا الإسلامي، دين دولتنا، دين الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
وكما أكدت لكم في الماضي أؤكد لكم اليوم مجددا أنها ليست دولة علمانية وأن ما قمتم به اليوم هو أقل ما يمكن القيام به، رفضا لهذا الإجرام في حق ديننا الحنيف، وأطمئنكم أنني شخصيا والحكومة لن ندخر جهدا من أجل حماية هذا الدين ومقدساته..".
ومن قبل أن يكتمل العام الثالث على تلك المسيرة، وتحديدا في يوم الجمعة الموافق 18 نوفمبر 2016خرجت جموع مشابهة في مسيرة غير مرخصة كما هو حال المسيرة الأولى، وترفع نفس المطلب الذي تم رفعه في المسيرة الأولى، ولكن في هذه المرة تم منع الحشود من الوصول إلى القصر الرئاسي، واقتصر الاستقبال في هذه المرة على وابل من مسيلات الدموع تم إطلاقه بكثافة لمنع الحشود من الوصول إلى قصر "صاحب العمامة الزرقاء" حامل لقب "رئيس العمل الإسلامي".
لم يكن هناك أي فرق بين المسيرتين، فالمطلب كان نفس المطلب، والجهات المنظمة كانت هي نفس الجهات المنظمة، والحشود كانت تقريبا هي نفس الحشود، والترخيص غاب عن المسيرتين، فبأي منطق يشكر المشاركون في المسيرة الأولى، وتلقى مسيلات الدموع على المشاركين في المسيرة الثانية؟
في اعتقادي بأن السبب يعود إلى كوننا في مطلع العام 2014 كنا نعيش بقايا من بقايا ثورات الربيع العربي ومسيرات الرحيل، وفي تلك الفترة لم يكن "صاحب العمامة الزرقاء" ليخاطر بإغضاب جموع حاشدة، ولذلك فقد سارع إلى شكر تلك الجموع، وإلى التعهد لها بتنفيذ حكم الله في كاتب المقال المسيء. وفي تلك الفترة كانت هناك بقايا من بقايا الإعجاب الفرنسي بالجنرال الذي يحارب الإرهاب في المنطقة، وكانت فرنسا على استعداد حينها للتغاضي عن "زلات" الجنرال. اليوم تغيرت أمور كثيرة، وأصبحت فرنسا غير راضية عن قدرات "الجنرال" الأمنية، بل إنها أصبحت تشكك في تلك القدرات من خلال تكرار إصدار البيانات التي تتحدث عن انفلات أمني خطير يحدث على أرض "الجنرال".
خلاصة القول في هذه الجزئية هي أن "صاحب العمامة الزرقاء" كان في مطلع العام 2014 يخاف من مواطنيه، وكان في غاية الاطمئنان فيما يخص حليفه الفرنسي، واليوم تغيرت الأمور كثيرا فأصبح "صاحب العمامة الزرقاء" يخاف من حليفه الفرنسي، ولا يلقي بالا لمواطنيه.
في العام 2014 كان "صاحب العمامة الزرقاء" يغلب البعد الداخلي، ولذلك فقد وعد الجموع التي خرجت في مطلع ذلك العام بتنفيذ حكم الله في كاتب المقال المسيء. أما اليوم فإنه أصبح يغلب البعد الخارجي ولذلك فقد استقبل مسيرة 18 نوفمبر 2016 بمسيلات الدموع، وهو يخطط الآن لإطلاق سراح كاتب المقال المسيء إرضاء للغرب.
هل اقتنعتم الآن بأن "صاحب العمامة الزرقاء" لم يعد يهتم في أيامنا هذه بمحاربة العلمانية وبتطبيق شرع الله، وإنما يهتم فقط بكسب ود الغرب بصفة عامة وفرنسا بصفة خاصة؟
إن لم تكونوا قد اقتنعتم حتى الآن، فلا بأس، سأزيدكم من الشعر بيتا.
لقد تصادف قمع مسيرة النصرة مع إصدار محكمة الاستئناف في "ازويرات" لأحكام تبرئ عددا من نشطاء "إيرا" من التهم الموجهة إليهم، وتخفف العقوبة عن آخرين  تمت إدانتهم، ولم تكن تلك الأحكام تنشد العدل بقدر ما كانت تريد كسب ود فرنسا.
دعونا نفتح الآن صفحة من صفحات تاريخ العلاقة بين السلطة و"إيرا"، وهي العلاقة التي كانت مشبوهة في أغلب محطاتها، ودعونا نعد إلى أول صدام مفتعل بين "إيرا" و"صاحب العمامة الزرقاء".
في يوم 29 ابريل 2012 استقبل "صاحب العمامة الزرقاء" مسيرة حاشدة أمام قصره جاءت للتنديد بحرق الكتب الفقهية، ويومها خرج "صاحب العمامة الزرقاء" خطيبا أمام الحشود فقال: " إن الجمهورية الإسلامية الموريتانية جمهورية مسلمة وليست علمانية، وهذا ما يحتم علينا جميعا قمة وقاعدة حماية هذه المقدسات، وهو الواجب الذي يقع كذلك على عاتق العدالة الموريتانية إحقاقا للحق. ونحن جميعا على استعداد للتضحية من أجل ديننا وأن نضرب عرض الحائط بالعلمانية التي لا نقيم لها وزنا.... إن حكومتكم المنبثقة من الشعب الموريتاني ستطبق جميع القوانين المعمول بها في هؤلاء الأشخاص الموقوفين على خلفية حرق كتب المذهب المعتمدة التي لا نبغي بها بديلا، ولا نتطلع لغيرها، فهي ما نستمد منه قوتنا وهي مرجعيتنا. وشريعتنا هي شريعة الله وستطبق إن شاء الله بكل صرامة في هذا الصدد.

أشكركم على هذه الهبة التي هي وفاء للأمة الإسلامية برمتها، وإحياء لدور موريتانيا الذي ما فتئت تلعبه خدمة للإسلام، وإذا تخليتم عن ذلك الدور ستضيعون شعبكم وبلدكم والتزامكم إزاء الأجيال القادمة. أجدد لكم أنه لا رجعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية حفاظا على مقدساتنا وديننا وحرصا على رفع راية الإسلام في هذا الجزء من القارة.

أشكر جميع الموريتانيين الذين هبوا من جميع فجاج البلاد منذ أمس من بئر أم أكرين، إلى انواذيبو وازويرات والنعمة، والجنوب ومن كوركول، وفي جميع ولايات موريتانيا أشكرهم على تحركهم نصرة للدين الإسلامي وأنكر معهم هذا الإجرام الأول من نوعه في بلادنا والذي لن نتركه يفلت من العقاب بأي حال من الأحوال".

لقد أقلت من العقاب من ارتكب ذلك الإجرام (حسب وصف "صاحب العمامة الزرقاء")، بل وأكثر من ذلك فلقد تمت تزكيته من طرف أعلى هيئة دستورية في البلاد، وتم التوقيع على ترشحه من طرف مستشاري الحزب الحاكم. ومن الطريف في هذه المسألة أن فرنسا قد استقبلت في الأيام الأخيرة، و بشكل رسمي، رئيس حركة "إيرا"، ولما غضبت الحكومة الموريتانية من ذلك الاستقبال، ردت عليها فرنسا ـ وبخبثها المعهود ـ بأنها استقبلت مرشحا سابقا لرئاسة الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
خلاصة القول في هذه الجزئية هي أن "صاحب العمامة الزرقاء" لا يتورع عن العبث بوحدتنا الوطنية لتحقيق مكاسب سياسية آنية، فالسلطة كانت على علم بعملية حرق الكتب الفقهية، فتركتها تتم بعد أن وثقتها تلفزيونيا، وذلك من أجل إرباك المعارضة التي كانت في تلك الفترة تعد العدة لمسيرة ضخمة من مسيرات الرحيل. ما حدث بعد ذلك تعلمونه جيدا، فقد سيرت المسيرات المنددة بحرق الكتب في شرق البلاد وفي غربها، في جنوبها وشمالها، ووعد "صاحب العمامة الزرقاء" بتطبيق شرع الله في مرتكب المحرقة، ولكن صاحب العمامة الزرقاء لما احتاج لمرتكب المحرقة لتشريع انتخاباته الرئاسية التي قاطعها الجميع نسى كل ذلك، نسى شرع الله، ونسى المقدسات، وطلب من الأحزاب الموالية له أن تزكي من أحرق أمهات كتب المذهب المالكي.
وإذا لم تصدقوا إلى الآن بأن "صاحب العمامة الزرقاء"يعبث بوحدتنا الوطنية، فلا بأس، سأزيدكم بيتا آخر من الشعر.
لقد تزامن قمع مسيرة النصرة وحكم محكمة الاستئناف في "ازويرات" مع حدث آخر غير ودي وبتوقيع فرنسي أيضا. فقد طالب رئيس حركة "لا تلمس جنسيتي" بانفصال الجنوب، وكان ذلك من خلال برنامج حواري على قناة (tv5).
صاحب هذا المطلب الانفصالي الخطير كان قد تم استقباله من طرف "صاحب العمامة الزرقاء" في القصر الرئاسي، وكان ذلك يوم الأربعاء الموافق 9 ابريل 2014.
بعد ذلك  اللقاء بأربعة أيام، أي في يوم الأحد الموافق 13 ابريل 2014 صرح رئيس حركة "لا تلمس جنسيتي" لوكالة الأخبار المستقلة بأن كل رؤساء مكاتب التقييد في العاصمة قد تم تحويلهم أو تجريدهم باستثناء رئيس مكتب تفرق زينة، وأن ذلك كان بمثابة استجابة لما تعهد  له به "صاحب العمامة الزرقاء"!
المقلق في الأمر أن منسق حركة "لا تلمس جنسيتي" الذي استقبله "صاحب العمامة الزرقاء"  في قصره، كان قد أجرى من قبل ذلك اللقاء مقابلة مع مجلة (Jeune Afrique) وقد جاء في تلك المقابلة : "في الوقت الذي نحن فيه على يقين بأننا نشكل الأغلبية بالمقارنة مع العرب البربر، لا يزال الزنوج الموريتانيون يتعرضون للتمييز في جميع القطاعات، وبما أننا مقتنعون بأن هناك تغييرا سياسيا حتميا في موريتانيا، لا نريد، عندما يأتي ذلك اليوم، أن يتفرق الزنوج، في أحزاب بقيادة العرب البرابرة أو الحراطين، ولهذا السبب لن ندخر جهدا لكي تكون جميع القوى الزنجية الموريتانية ممثلة بقطب واحد، قوي وموحد".
هذا هو ما قاله في تلك الفترة من سيتم استقباله من بعد ذلك في القصر الرئاسي، و ومن سيتم تحويل موظفين عموميين إرضاءً لمزاجه.
خلاصة الخلاصات : لقد ثبت لدينا ـ وبما لا يدع مجالا للشك ـ بأن "صاحب العمامة الزرقاء" يلعب بملفي المقدسات والوحدة الوطنية، ولذلك فقد حق لنا أن نقلق، وأن نكثر من الدعاء بأن يحفظ بلادنا من كل شر.
حفظ الله موريتانيا..

اثنين, 21/11/2016 - 01:02