مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

جريمة المخدرات الخطر المحدق (قراءة في القانون الموريتاني)

 محمد ابوبكر

 

تنطلق هذه الجريمة من أساسها القانوني والذي تستمده من نصين هما:
المعاهدات الدولية حول المخدرات الصادرة عن الأمم المتحدة لسنوات 1971 و1988...الخ، والقانون رقم 037/93 الصادر بتاريخ 20 يوليو 1993 المتعلق بمعاقبة منتجي المخدرات 

والمؤثرات العقلية والمتاجرين والمتعاطين لها بشكل غير شرعي.
إن آفة المخدرات تعتبر من اخطر المشاكل التي يتعرض لها المجتمع الموريتاني وخصوصا فئة الشباب، وهو ما جعلني اسطر عن هذه الجريمة المنتشرة في هذه الأيام، وقد تزايدت هذه الظاهرة في الآونة الأخيرة مما ولد غلقا كبيرا لدى السلطات القضائية  المكلفة بالمتابعة والتحقيق والحكم،  خصوصا إذا ما علمنا يقينا ارتباط جريمة المخدرات في الغالب بجرائم أخرى كالسرقة والقتل والاغتصاب ...الخ.
ولعل هذا ما جعل المشرع الموريتاني اسوأة بغيره من التشريعات العالمية الأخرى، يسارع بالمبادرة إلى سن نصوص تشريعية لينة في أحكامها تارة ومتشددة تارة أخرى. رغم كل هذا مازال البلد يحظى بالنصيب الأكبر في هذا المجال بحكم الموقع الجغرافي وبحكم التحول العميق الذي تمر به البلاد خصوصا في جانبها الاقتصادي والاجتماعي.
وقد بينت الإحصائيات ومن خلال العمل الميداني أن اكبر خطر حاليا يهدد البلد هو القنب الهندي والكوكايين  والهروين والأقراص الطبية ضف إلى ذالك ماء العطر، الذي أصبح هذه الأيام اخطر من كل أنواع المبيحات في الأصل لانتشاره وقلة ثمنه، وهذه الأصناف لم يقتصر الإدمان عليها بيعا واستعمالا على فئة معينة، بل تشمل كل فئات المجتمع سواء المتعلم أو غيره شابا أو شيخا ذكرا كان أو أنثى، وقد تطور الأمر في السنوات الأخيرة حتى دخلت المخدرات والمؤثرات العقلية البيوت الموريتانية والمدارس بكل أنواعها الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي، انه الخطر الحقيقي والموت المحقق السريع فانتبهوا أيها الآباء والأمهات.
ولخطورة الموضوع وحساسيته ولأهميته، فإننا سنتعرض له من خلال إيضاح الجانب القانوني والمتعلق بالتجريم والعقاب، مع الإشارة قبل ذلك إلى محاولة تعريف للمخدرات.

التعريف والتجريم
إن تنوع المخدرات وظهورها تارة نباتية وتارة في شكل مواد كيماوية سامة كانت أم غير سامة، يجعل من الصعب إيجاد تعريف جامع مانع لها، وعليه فقد انقسم تعريفها بحسب الجانب الذي ينظر منه إليها، مع أننا سنعتمد في التعريف على ما ورد في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع  بالمخدرات والمؤثرات العقلية، والذي جاء فيه (المخدرات مادة كيميائية تسبب النعاس والنوم أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم).
كما تعرف أيضا بأنها (مادة تؤثر على الجهاز العصبي المركزي ويسبب تعاطيها حدوث تغيرات في وظائف المخ وتشمل هذه التغيرات تنشيطا أو اضطرابا في مراكز المخ المختلفة تؤثر على مراكز الذاكرة والتفكير والتركيز واللمس والشم والبصر والتذوق والسمع والإدراك والنطق).
ومن خلال التمعن في التعريف الأخير نرى بأنه يخرج صاحب المخدرات من دائرة الإنسانية، إذ لا  ذوق ولا إحساس...الخ.
ومن الملاحظ أن المشرع الموريتاني لم يتعرض لتعريف المخدرات في القانون الصادر بتاريخ 09 ينائر 1993 الخاص بالمخدرات والمؤثرات العقلية، لعله ترك تلك التعريفات للفقه الذي أعطى عدة تعريفات منها: "أن المادة المخدرة هي كل خام أو مستحضر تحتوي على عناصر منبهة من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية والصناعية أن تؤدي إلى حالة التعود أو الإدمان عليها".
ومن التعريفات الواردة: "أن المخدرات مجموعة من المواد تسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي ويحظر تناولها أو زراعتها أو صنعها لأغراض يحددها القانون ولا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له في ذلك".
أما عن التجريم فنلاحظ أن المشرع الموريتاني ونظرا لصعوبة وضع تعريف شامل للمخدرات، إلا انه نص على  تحريمها وتجريمها في القانون أعلاه، وقد صنفها حسب جداول وميز بينها إذ منها ذات خطر بالغ أو ذات خطر فقط، المادة الأولى التي تقول: (تطبق هذه الترتيبات على كل المواد المدرجة في قرارا الوزير المكلف بالصحة في الجداول: 1و2و3و4 أي المواد المصنفة كمخدرات ومؤثرات عقلية في الاتفاقيات الدولية وعلى تحضيرها وكذا المواد الوسيطة وكل المواد الأخرى والمستحضرات أو النباتات الخطيرة على الصحة العمومية بسبب أثارها التسميمية أو الإفراط الذي ينجم عن تعاطيها مرتبة حسب إجراءات الرقابة التي تخضع لها)،  والثانية  التي جاء فيها (لتطبيق هذه الأحكام يميز  بين المخدرات ذات الخطر البالغ التي تمثل المواد المدرجة في الجدولين :1 و2 والمخدرات ذات الخطر التي تمثل المواد المدرجة في الجدول 3 وتعتبر مواد وسيطة تلك المواد المرتبة في الجدول 4)
أما العقاب فجاء في المواد التالية لها 3 و4 و5...الخ  التي تنص على انه  يعاقب مثلا على الإنتاج والزراعة والاستخراج والتحضير والتصنيع أو التحويل والمصدر والمستورد والعارض والمرسل أو البائع أو الحائز أو الناقل أو السمسار والموزع ... بعقوبة من 15 سنة إلى 30 سنة مع حد القتل في حالة العود.
كما نلاحظ عقوبة التمالؤ ومحاولته  والتجمع من اجل ارتكاب الأفعال أعلاه في المادة 10 منه  تبدأ من 5 سنوات إلى 10 سنوات مع الغرامة وحد القتل كما انه نص على إلزامية المصادرة كعقوبات تكميلية وهي إجبارية خصوصا إذا ما ارتكب الفعل تحت ظل المواد 3 و4 و57 و38 و39 و40 من ق.م.م.ع. مع المنع من الإقامة على الأجانب المدانين طبقا للمواد 3 و4 و5 و6 و7 و8 و9 و10 و38 و39، منه إضافة إلى الحرمان من الحقوق المدنية كعقوبة تكميلية من سنتين إلى عشر سنوات إذا ما ارتكبت الجرائم تحت بند المواد 3 و4 و5 و6 و10 منه.
إضافة إلى إمكانية الحكم بالمنع من الإقامة  كعقوبة أصلية على الأجانب المدانين بموجب المواد 5 و7 و8 من ق.م.م.ع
دون أن ننسى الجانب الإنساني في القانون الذي يعطي لمن يريد الإقلاع عن هذه الظاهرة أن يتقدم إلى السلطات المختصة ويكون ذلك محاط بسرية تامة من اجل أن يتمكن من العلاج ويعود شخص صالح إلى المجتمع الذي شذ عنه في يوم ما، وهو ما يطلق عليه الترتيبات البديلة العلاجية، كما انه يجوز إجبار المتعاطي على العلاج. والجانب الإنساني هنا منصب على المتعاطي استعمالا لا بيعا حسب الظاهر من نصوص القانون.
إلا أننا وفي الآونة الأخيرة برزت نوعية جديدة وخطيرة من المسكرات أو المنبهات التي يجب تصنيفها في جداول هي الأخرى لكي لا نظل نحوم حول حيازة الاستعمال وحيازة البيع، ومن هذه المسكرات أو المؤثرات العقلية ماء العطر وبعض الأقراص المهلوسة  والسمسم المحلي الصنع والحشيش الذي يصعب تمييزه عن باقي الحشيش الآخر كالتبغ. ومن هنا أن الأوان إلى ضرورة تحريم وتجريم بيع ماء العطر الذي لم يعد يستخدم استخدامه العادي. فقد افسد عقول الكثير من الشباب في شتى أنحاء موريتانيا.
وقد عاقب المشرع الموريتاني الاستعمال في مادته 39 من قانون المخدرات والمؤثرات العقلية بالحبس من سنتين كأقصى حد وبغرامة من 50000 إلى 100000 أوقية أو بإحدى هاتين العقوبتين، وهذه عقوبة غير رادعة وخصوصا انه يعطي الخيار للقاضي في الحكم بالغرامة فقط، وعليه يصبح المتعاطي حرا انطلاقا من يوم النطق بالحكم بعقوبة الغرامة فقط وأنت طبعا  لم تخالف النص، وعليه ينبغي مراجعة هذه المادة وتشديد العقوبة لأننا وبحسب التجربة المتواضعة في المجال نلاحظ كثرة العود في هذه الحالة.
ونلاحظ أن جريمة الاستعمال والتعاطي عموما دوما ما ترتبط بجرائم أخرى خصوصا الجرائم المالية والاغتصاب والعقوق والقتل...الخ.
ومن هذا المنطلق فإننا وبقراءة فاحصة لقانون المخدرات والمؤثرات العقلية الموريتاني من مادته الأولى إلى المادة 50 منه، نلاحظ انه آن الأوان إلى ضرورة إنشاء مختبرات طبية لمواكبة هذه الجريمة العابرة للحدود، ولكي يتمكن القاضي المكلف بملف المخدرات من التحقيق في وقته وتكوين الضبطية القضائية على ذلك وتكوين كادر طبي متخصص في الكشف عن نوعية وتصنيف المخدرات وتحديد ما هو منها بذي الخطر البالغ أو ما دونه، ونوعية الحشيش والحجر وكل أنواع الحبوب المهلوسة والأقراص لكي يحي من يحي على بينة ويهلك من يهلك على بينة.
وختاما نوصي الجميع من أباء وأمهات وأساتذة ومعلمين وطلاب ومربين وأطباء على ضرورة الحيطة والحذر من انتشار هذه الظاهرة والتصدي لها بحزم.
1/ إنشاء مختبر طبي متخصص في فحص عينة المخدرات والمؤثرات العقلية بكافة أنواعها     
   2/إنشاء مركز لعلاج المدانين بموجب هذه الجرائم لأنهم مرضى خصوصا المستعملين.
     3/عدم التسامح مع المجرمين في هذا المجال سواء من قبل المجتمع أو القضاء.
    4/تكوين قطب قضائي متخصص في هذا النوع من القضايا .
   الخطر قادم .... فاحذروه قبل فوات الأوان.
                         
والله المستعان
 

اثنين, 21/11/2016 - 04:24