مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

قمة نواكشوط: و آراء الانتهازيين / مامودو كَانْ

 فى هذه الأيام كثر الحديث عن القمة العربية المرتقبة فى عاصمتنا الحبيبة و أصبحت مطية لكل وارد و عاطش متجه إلى الآبار لعل و عسى يورد به ما يكفيه من مخزون الماء الصالح للشرب فترة انعقاد القمة حتى لا يشعر ضيوف الفخر و المفخرة بالإزعاج حين ترتفع أصوات النساء و الآنسات عند الورود فى الآبار مختلطة بهتافات الرعاة.

هكذا أقدمت شخصيات مختلفة و من منابر متعددة و بشكل مبالغ فيه إلى طرح و تبسيط الآراء و الأفكار و التعاليق و النداءات حول القمة و الظروف التى ينبغى أن تنعقد فيها، و إلى إعادة النظر فى شخصيتنا الموريتانية التقليدية الطبيعية لتتأقلم مع مزاج ضيوف الفخر و المفخرة على الدولة و المواطنين. و فى هذا السياق نطالع فى بعض المواقع خطبا موجهة إلينا نحن المواطنون البسطاء و الفقراء و الغير الواعين بما يدور حولنا فى سبيل تغيير السلوك الاجتماعي الذى كنا اعتدناها لتتلاءم و مستوى ضيوف الفخر و المفخرة مهما كلفنا ذلك من متاعب و كأننا لم نكن بحاجة قبل اليوم الموعود لوصول ضيوف الفخر و المفخرة فى بلادنا لسلوك حضاري و قيم اجتماعي و مستوى ثقافي يساعدنا على التفاهم و الرقي و التقدم فى ظل التسامح و الوئام، كنا سنرتاح بها و نكون فى استعداد جيد لاستقبال ضيوف الفخر و المفخرة و لن يكون وقتها مهما القيام بحملات الدعاية و توعية الشعب المسكين بطرق لا تتطابق و مستواه العام.

و من بين ما تم التصريح به و تداوله و إشاعته و إرساله بشكل رسائل مباشرة و غير مباشرة _ و التى يمكن أن يفهمها كل منا حسب موقعه _ الآتي: _ إن استضافة نواكشوط للقمة العربية يوليو القادم ستكون فرصة مهمة لموريتانيا من أجل تطوير دبلوماسيتها من خلال رئاستها للجامعة العربية، بالإضافة لتحسين و تطوير البنى التحتية للعاصمة نواكشوط. بالنسبة لى لم تكن لموريتانيا أن تنتظر فرصة وجود ضيوف الفخر و المفخرة بعد ست و خمسين سنة من الاستقلال لتحصل على فرصة سانحة لتطوير دبلوماسيتها على أساس رئاستها للجامعة العربية و ما أدريك ما الجامعة العربية بالأمس القريب بالنسبة لموريتانيا، ثم و لا حتى أن تنتظر انعقاد القمة العربية بالعاصمة نواكشوط لتطوير البنى التحتية فيها، مما يؤسف له و كأن الدولة الموريتانية ظلت متوقفة عجلة التطور فيها إلى حين إعلان قدوم قمة جامعة الدول العربية و ضيوف الفخر و المفخرة و هو ما لا يليق بمستوى الوطنية التى ينبغى أن نكون فيها، و هذا لا يعبر بالنسبة لأصحابها إلا كونهم يعيشون عالم الخيال و الحلم بحثا فى ذاكرة الأموات لإنقاذ الأحياء.

إن استضافة القمة ستمكن الدولة الموريتانية من اكتساب خبرة و تجربة هامة فى تنظيم و تسيير المؤتمرات و تعزيز مساهمتها فى تفعيل آليات العمل العربي المشترك و مواكبة تنفيذ قرارات الجامعة العربية. لا أرى هذا من الحكمة لأن الدولة الموريتانية إذا كانت ما زالت لا تمتلك خبرة و تجربة بما تمتلكه من أطر و كفاءات فى سبيل تنظيم و سير المؤتمرات، إلا مع انعقاد قمة جامعة الدول العربية و بحضور ضيوف الفخر و المفخرة، فإن ذلك يعنى أن الدولة و أطرها لم تقم بجزء من واجباتها، و ذلك ما لا نعتقده بل هذه الأقوال لا تعدو أن تكون انتهازية و سياسوية محضة.

و فى القول بأن استضافة القمة ستمكن من تعزيز مساهمة موريتانيا فى تفعيل آليات العمل العربي المشترك و مواكبة تنفيذ قرارات الجامعة العربية، نوع من التضخيم و التنبؤ غير المبرر بل و الطموح المتزايد لما يمكن أن ينتج و يتمخض من القمة إذا ما عرفنا مستوى الخلافات و تعارض المصالح و تباين قوى التأثير فى تفعيل و تنفيذ الآليات و القرارات، لذلك وجب على الطامحين فى المستحيل مراجعة سقف طموحاتهم فى سماء قمة ضيوف الفخر و المفخرة لأنهم ما زالوا هُم هُم كما كانوا بالأمس القريب معهم. كما أن جدول أعمال القمة لا يتحكم فيه دولة بصفتها الدولة المنظمة للقمة بقدر ما يكون متوقفا على القدرة على تقارب وجهات النظر بين الكتل المتصارعة و مصالحها المختلفة، و عليه فلا معنى لبعض الأقوال التى لا تستند على أي أساس.

من التوصيات بخصوص انعقاد القمة خلق ديناميكية وطنية تهدف إلى تمكين كافة الأوساط المعنية من المساهمة الفعلية فى هذا الحدث كل حسب اختصاصه عبر تكثيف الندوات الفكرية و البرامج الإعلامية و تخصيص احتفالات المدارس بنهاية السنة حول موضوع القمة لإنارة الرأي العام حول رهاناتها مع ضرورة إتقان الجوانب التحضيرية و التنظيمية. نعم جميل هذا كله، لكن لماذا لم نفكر و لم نقم بخلق ديناميكية وطنية مُواطِنة قبل اليوم تساهم فى توعية الأوساط الهشة و المحرومة من المجتمع و الشعب الموريتاني حول القضايا الأساسية ذات الأولوية المشتركة و النفع العام، بدل أن نسيّس المواقف لحاجة فى نفس يعقوب. فالندوات الفكرية و البرامج الإعلامية و احتفالات المدارس لإثارة الرأي العام حول القمة لا تعدو أن تكون حلقات مفرغة من المعنى و الموضوعية إذا ما راجعنا أنفسنا و رتبنا أولوياتنا الوطنية لإعادة الثقة فيما بيننا فى ذات متصالح مع نفسه و غيره و نكون حينها فى استعداد كامل لاستقبال ضيوف الفخر و المفخرة دون بروز أو ظهور بوادر الاختلاف فيما بين الطيف السياسي على أعين سادة الضيوف.

إن استضافة موريتانيا للقمة العربية تعد فرصة مثالية لتقديم موريتانيا فى ذاتها المتصالحة و خصوصيتها الثقافية إلى الأشقاء  تقديمها مع ما يقتضيه ذلك من الوعي بطبيعة وحدة الفعل و اتحاد العاملين و الشركاء الوطنيين للمساهمة بشكل مشترك فى تقديم أحسن ما لديهم من الرؤى و التصورات و الأفكار النقدية، لضمان انعقاد القمة فى ظروف جيدة. هنا نتساءل هل كانت موريتانيا مضطرة و مكرهة فى انتظار قمة الجامعة العربية فى نواكشوط لتجد فرصة سانحة لتتصالح مع ذاتها و تقدم نفسها كأنها لم تعرف أبدا خصومة فيما بينها و أبناءها، أو لتقدم نفسها و ثقافتها على ضيوف الفخر و المفخرة و تتناسى آلامها و همومها لترضى ضيوف الفخر و المفخرة، و تكتسب وعيا من السماء كان غائبا عنها حتى قدوم ضيوف الفخر و المفخرة لتضع يدا بيد لتحقيق عمل مشترك يساهم فيه الأغلبية و المعارضة و الحياديين فى ثوب ثلاثي اللون يرضى ضيوف الفخر و المفخرة.

النظام الحالي يمتلك إرادة سياسية مصرة على أن تعلب موريتانيا دورها كاملا فى المحيط العربي. نعم أن تلعب موريتانيا دورها كاملا فى المحيط العربي مهم جدا فى إطار توسيع و تنمية العلاقات العربية العربية، و العربية الإفريقية، و هو أمر كان ينبغى أن يكون قبل الآني و لعل ما قيل بأن المرء حين لا يجد ما يريده يأخذ ما وجده، فموريتانيا لم ترفض أبد الدهر أن تلعب دورها فى المحيط العربي و إنما لم تستطع فقط أن تقارع مكانة بعض هذه الدول نتيجة لوضعية ميزان القوى.

ودعا البعض إلى السعي لأن تكون قمة نواكشوط بداية لتوحيد العرب من خلال تشجيع التكتلات العربية و تطوير التعاون الاقتصادي و السعي لتكون اللغة العربية لغة من اللغات المعمول بها فى المنظمات الدولية الفاعلة. و نتساءل مع هؤلاء هل من عصى سحر ساحر لتتمخض من قمة ضيوف الفخر و المفخرة فى نواكشوط ما يمكن أن يساعد و يساهم فى تأسيس بداية توحيد العرب، و للتاريخ كلمته فى ذلك، لا نعود إلى الوراء لتشخيص مخيلة الذاكرة لأنه مخل لا يترتب عليه نتيجة استثنائية فى رأينا المتواضع. أما اللغة العربية فحالها حال اللغات الحية كلها فهي من بين اللغات الحية المعترف بها عالميا فلا معنى هنا لهذا النداء العقيم سوى لحاجة فى نفس يعقوب.

و من اعتبر أن تأخر استضافة القمة بنواكشوط ليس عن ضعف أو عدم ولاء للعرب.

لا نعتقد أن نواكشوط تقوى باستضافة قمة جامعة الدول العربية أو أنها تضعف بعدم استضافتها لهذه القمة، كما أنه لا أساس و لا معنى بأي شكل من الأشكال أن تعلن نواكشوط ولاءها للعرب، فعاصمتنا ولاءها للشعب و الأمة و المجتمع الموريتاني لا غيره، فهل الولاء هنا ولاء سياسي أم ولاء اجتماعي و أيا كان لا نجد مبررا لهذا الولاء اللهم إلا إذا كان فى إطار المصالح الإقتصادية للدولة.                         _ تأييد استضافة نواكشوط للقمة العربية لنظهر للمحيط الفرانكفوني الضاغط من نحن. هذه تصريحات سياسوية لا معنى لها و لا فائدة و لا مصالح ذات نفع عام وراءها لأن المحيط العربي و الفرانكفونية بالنسبة لموريتانيا هي مجرد مصالح مدرة بالفوائد و الأرباح ذات النفع العام لا تعنى النظرة الأحادية الضيقة للأشياء. فمصلحة موريتانيا و القاعدة العريضة من الموريتانيين فوق هذا و ذاك من المشاعر و العواطف و الانتهازية الضيقة. لأن المصالح الاقتصادية للدول أصبحت أكبر و أكثر فاعلية فى ظل عالم العولمة و حوار الحضارات و الثقافات من النظرة العاطفية و الجهوية الضيقة. و الله المستعان.

ثمة من دعا إلى وقفة استراحة من التجاذبات السياسية حتى ما بعد القمة العربية، مضيفا أن ذلك سيعطى انطباعا حسنا لدى الضيوف. نعم نداء جميل، و هو كذلك، ما دمنا بصدد استقبال ضيوف الفخر و المفخرة لقمة جامعة الدول العربية فنحن مكرهون بإلحاح بالتراجع عن كل التجاذبات و الخلافات السياسية و الضغائن و الحقد و الكراهية و نكون بقلب رجل واحد و أشقاء من أم واحدة و مختلفين من جهة الأب و تلك العلاقة أخف العلاقات الاجتماعية وطأة لنرضي بذلك ضيوف الفخر و المفخرة علينا و نظهر تعاليهم علينا و نطأطأ الرأس و كأننا أمام إمبراطور مملكة غانة و علاقته بحاشيته، و نتناسى أنفسنا و ذواتنا و قيمنا و أخلاقنا و أسلوبنا فى الحياة لنترك انطباعا حسنا و صورة جميلة لضيوف الفخر و المفخرة. سامحنا الله و أولئك أجمعين.

ثمة من رأى ضرورة دعوة رؤساء دول الجوار، خصوصا الرئيس السنغالي لحضور القمة العربية بنواكشوط، لإرسال رسائل إيجابية لدور الجوار الإفريقي.

نعم دول الجوار الإفريقية لموريتانيا، رسائل لن تكون سلبية و لا ايجابية بقدر ما تكون هادفة و موضوعية نظرا لشخصية الدولة الموريتانية و شكلها العام جغرافيا تاريخيا و بشريا و حضاريا و ثقافيا و سياسيا. و لا يمكنها أن تتجاهل امتدادها العربي البربري و الإفريقي بشكل عام. و أن السنغال تسعى جادة للانضمام ليست كدولة عربية بل كدولة إسلامية تسعى للاستفادة من التمويلات الإسلامية و هو ما نراه وجيها فى البحث عن تطوير حياة شعبها حين تستفيد من تمويلات الدول العربية و لا تخسر شيئا مع ذلك. 

و أكد البعض ضرورة الاهتمام بالجانب البروتوكولي و التعبئة الشاملة فى الأوساط الشعبية و الاهتمام بالجانب الإعلامي و مرافقة الضيوف و توزيع المناشير. نحن لا نشك من أن القيمين على القمة هم أدرى منا بما ينبغى أن يكون عليه كل الجوانب المتعلقة بالعمل البروتوكولي لتحقيق حلم طالما راود عدد لا يستهان به ممن تغنوا بضيوف الفخر و المفخرة و يلوح على الأفق تحقيقه، لذلك لن يصعب علينا مرافقة الضيوف و جعلهم فى ظروف يساعد فى طمأنة مستقبل موريتانيا فى هذه المنظومة.

و لعل ما يجب التنبيه إليه هو محاولة قراءة و تشخيص ما تحت السطور و الذى أراه أهم من المهم لأنه يعبر عن رسائل صغيرة ضمنية لأصحاب التوجهات و الميولات ذات الطابع الحنيني لعصور خلت حيث غرقت فى مياه الرافدين و النيل و المحيط الأطلسي، و دفنت رواسبها فى رمال الصحراء، و لم تثبت فعاليتها حتى فى أوج عصورها، مما يعنى بالنسبة للعقلاء و الحكماء عدم التعاطي معها بشكل يمكن أن يؤثر سلبا على نتائج قمة ضيوف الفخر و المفخرة.

و يبقى السؤال الذى يطرح نفسه قبل اليوم الموعود هل ضيوف الفخر و المفخرة سيخصصون محورا من محاور القمة لمناقشة وضعية الأقليات الإثنية و حقوقهم الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية و السياسية و المدنية و الأخلاقية و التربوية فى دول جامعة الدول العربية، فضلا عن وضعية الديموقراطية و مآلها فى ظل رياح الانفتاح و الانعتاق و حوار الحضارات و الثقافات التى تكاد تحل محل صراع الحضارات و جمود الثقافات. و الله اعلم

خميس, 26/05/2016 - 11:31