مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

القلاقل الإقتصادية والسياسية...الصبر بطاقة العبور

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى"

 

تعيش موريتانيا في الوقت الراهن مختطفة بإمتياز، من قبل بعض الإنقلابيين العسكر وجماعة عرف عن بعضها أنهم جاؤوا قبل وقت غير طويل من المغرب، وإستقرت أسرة الحاكم الحالي ردحا من الزمن بـ"اللوكه" في السينغال، قبل الإنتقال إلى موريتانيا المسكينة، وعندما واتت الفرصة سلخ اللحم عن العظم على وجه ملفت للإنتباه، وجمع المال مع منعه بأبشع الأساليب، الحارمة للمال والمنافع من أهله الأصليين، قبل الوافدين الجدد "لمخوطرين" بالعبارة الحسانية.

واليوم مع توقع ذهاب النفوذ عن بعض هؤلاء، فربما يذهبون بعد إستغلال النفوذ والكسب الحرام إلى وجهة أخرى، ضمن "غزوة" أخرى في سياق الطموح الجنوني، وعلى حساب الجميع أحيانا، للأسف البالغ.

موريتانيا تنزف وتبكي وتتوجع ولا بواكي ولا مخلص عاجل لها على الأقل في الأفق الحالي، وهذا مؤلم أشنع في حساب البعض من إغتصاب الحرائر.

وفي مثل هذه الظروف الإستثنائية بحق،  والتي لا يتحملها الحجر، أولى وأحرى البشر، إن كانت بنا بشرية أو إنسانية حقيقية، يصرح ثلاثة أعضاء في الحكومة، بإمكانية وضرورة التعديل والتمديد، الذي أقسم على حظره المتغلب، ونعني بوجه خاص موضوع العهدتين، ورغم ذلك أوعز إلى بعض الوزراء المقربين إليه، بهذا النعاق والزعاق المر المرير المدهش.

أبعد كل هذا الفساد والجمع والمنع والأنانية والقبلية الفاضحة والمحسوبية الفجة وترسيخ الروح الإنقلابية على حساب المهمة الجمهورية لجيشنا الوطني، أتطمعون أن نسكت أو يسكت سائر الشعب على هذا التصعيد وسياسة الأرض المحروقة المكشوفة؟، لا البتة بإذن الله.

موريتانيا ستتخلص من عزيز قريبا إن شاء الله، ولكن الأدهى والأصعب والمستحيل ربما محاولة زرع أرض محروقة، ملغومة بأعتى العقد والألغام الشديدة الإنفجار.

كان الملك الإدريسي المغربي الشريف، جريئا وقتها حين قرر طرد بعض لصوص "شيشاوه"، قرية على ضواحي "مراكش"، أما نحن اليوم فربما نكون في وقت قريب أقدر على هذا الطرد، ولكن قد يتحاشاه المتنفذون المرتقبون مخافة أن يقال موريتانيا تكره بعض مواطنيها على الترحيل. فالحل ربما الإبتعاد ما أمكن، عن تصفية الحسابات وتعميم الحكم وتعميم الإتهامات الجزافية، لتصل إلى شرفاء دفعوا الثمن فحسب، أحيانا بسبب الإنتماء العائلي البريئ، أما بعض المجرمين من أهل "شيشاوه" أو غيرهم، فالشعب هو صاحب القرار للنظر في مآل الملفات الثقيلة، لأن الشعب بجمعه ورمته هو الضحية في صورة جماعية، ولا يمكن مصادرة حكمه الذي يفضل ويرجح في التوقيت الذي يريد بإذن الله، وإن كنت أميل للبعد الكامل عن العقاب والإنشغال به على حساب القضايا الإنتقالية الكبرى، الملحة في مرحلة ما بعد عزيز بإذن الله.

لقد ضرب فأوجع، وتغلب فأفسد وإستبد، وأكثر من ذلك بعض المقربين منه ومافياه عموما، والتاريخ لا يرحم، والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، ولكل فعل رد فعل مضاد له في الإتجاه ومساو له في المقدار، على غرار قاعدة "نيوتن" الفيزيائية الشهيرة.

السيناريو المتوقع بسيط وموجز حسب توقع البعض، المؤسسة العسكرية مؤسسة وطنية، وبغض النظر عن مستوى الأطماع التقليدية، والتي لا يخلو بعضها من الذاتية، ستتحرك لإنقاذ الوطن من هذا الورم السرطاني المتزايد، والذي لا حل له ربما إلا القطع الحاسم الجريئ بطريقة طبية ماهرة. وكالمعتاد سيسقط الصنم، وقد يعتقل فترة من الوقت، وإن شاء الله دون حاجة للتصعيد في تصفية الحسابات، فلا فائدة في ذلك، خصوصا في الفترات الإنتقالية الهشة عموما، وإن لزم بعض ذلك لاحقا، فالوقت قد يكون أنسب في حالات الهدوء النسبي، وبالوجه المتوازن المدروس، وضد كل مقترف في حق الشأن العمومي المختطف منذ 1978 وإلى اليوم، وربما منذ 1960 على الأرجح وإلى اليوم.

وتحت مظلة عسكرية قد يغلب عليها أو يكثر فيها على الأصح فريق "أهل الشرق"، ستعيش البلاد فترة إنتقالية لا تخلو من هزات وأخذ ورد، ومصاعب مالية وسياسية بين المد والجزر، ثم تجري الإنتخابات الرئاسية ثم البرلمانية والبلدية، ونرجو أن تكون بعيدة من الوصاية والإقصاء، والمزايدة والتدخل الخارجي المباشر أو غير المباشر.

لأن الغرب، وبوجه خاص فرنسا تريد تحويل موريتانيا، إلى نموذج المحاصصة العرقية، وقد صرح بذلك سفير سابق لفرنسا في نواكشوط وبشكل صريح لبعض خواصه من الموريتانيين في الغرف المغلقة، على غرار النموذج اللبناني الطائفي الفاشل، وضمن ميل ضد العنصر العربي الموريتاني، وأمريكا مرتاحة لهذا إن حصل، وتسعى له منذ وقت معتبر، وربما لها مصلحة في هذا الصدد الحساس الخطير، على رأي البعض.

أجل، ينبغي أن نحذر من هذا التوجه، وفي المقابل من جاءت به صناديق الإقتراع سلمنا له دون جدال سيزيفي عقيم، وبعيدا طبعا عن العنصرية والمحاصصة المفرقة، وغيرها من صنوف الإملاء والتفخيخ، المخطط له بقصد ومكر، من طرف جهات محلية وخارجية معروفة بعينها.

وعندما تنتهي المرحلة الإنتقالية، ترسو بإذن الله، السفينة على الجود، بعد الإضطراب النسبي والمخاوف الجمة، إن شاء الله، ترسو على شاطئ الأمان، ولو كان نسبيا هشا للتوجه إلى تنمية مستديمة شاملة، متئدة، ولو تدريجيا.

فلا معنى للتنمية وشعاراتها ومشاريعها المختلفة، في ظل غيم، فالغيوم غياب الأمن والعدل، ولا معنى لإستقرار حقيقي مبارك، دون الإستغفار الواسع الشامل للجميع، والتوبة النصوح والإقلاع الفوري عن كل ما يسخط الرحمن والأوبة إلى الله ومنهجه الرباني الشامل المنقذ بحق.

قال الله جل شأنه: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ". وقال سبحانه وتعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ".

وقال ربنا في محكم تنزيله: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا".

إننا بحاجة للدور الأمني الحافظ للإستقرار النسبي، وليس على وجه التدخل في السياسة والشأن العام، فلا مجال لهذا إطلاقا ولتتم المرحلة الإنتقالية، تحت حراسة جيشنا، والحراسة فحسب، وتحت إشراف مجلس إنتقالي مدني هو المكلف الحقيقي بإدارتها، ويكتفي العسكر بالدور الأمني، ولا يترشح أحد من أعضاء هذا المجلس المنشود لوظيفة الرئاسة بوجه خاص، على أن يكون الإستحقاق الرئاسي، قبل غيره من الإستحقاقات المفترضة.

موريتانيا تعيش أزمة إقتصادية وسياسية في أعلى المستويات، فالأوقية إنخفضت قيمتها تحت ضغط الأزمة العميقة، والعملات الصعبة على الأقل، لتأمين حاجيات المجتمع والدولة في مستويات لا تحسد عليها، لدى البنك المركزي، والسيولة النقدية في سوق القطاع الخاص، محل تمنع وندرة، وربما إخفاءا عن قصد أحيانا، لعدم إطمئنان أصحاب رأس المال، المحليين والأجانب على السواء، والظروف بصورة عامة طاردة لرأس المال المحلي قبل الأجنبي، لغياب العدل وفوضوية وإنتقائية الضرائب، وغيرها من ضرورات وصمامات الإستثمار الغائبة عموما، للأسف البالغ.

سنيم تعيش مرحلة إنتقالية، بعد أن أقر رأس النظام ضمنيا، بفشل المسير محل التعيين الأخير ولد أوداعه، وكل المؤشرات الإقتصادية والسياسية والأمنية تدل على قرب سقوط مشروع الدولة في الوحل، إن لم يكتب لهذا المشروع المتعثر عمرا جديدا بإذن الله، عبر فرصة جديدة إن شاء الله، للتناوب بوجه ما، وبأقل المخاطر، بدل إستمرار الإحتقان المفضي لا قدر الله وتلقائيا للإنفجار.

ولكل ميدان خبراء، قال تعالى: "فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرا"، والمحتكون بالشأن العام يوميا ولحظيا، ربما الإعلاميون قبل غيرهم، خصوصا الجادون منهم وإن قلوا، أعرف بهذه الساحة وأقدر على التوقع.

أقول بصراحة إنقلاب على الأبواب ومرحلة إنتقالية أرجو من الله ولو فرضت نفسها أن تكون سلمية عابرة، مؤدية لمشروع سياسي يخلص البلد ولو تدريجيا من أزماته المعروفة.

والطقس عموما في حالة ترقب وتحول مستمر، اللهم سلم....سلم....

سبت, 02/04/2016 - 17:09