مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

باعة الرصيد في موريتانيا: عداؤون في مارتون "كسب القوت "

  بالقرب من سوق العاصمة بانواكشواط، تشهد نسمات الفجر الأولى على استيقاظ الرفيقين محمدُّ وأبو محمد للتجهز لصلاة الفجر ليعدا بعد الصلاة فطورهما: قطعا من الخبز وكؤوسا من الشاي في عجلة من أمرهما سباقا مع الوقت حتى لا تبزغ الشمس عليهما قبل أن يحملا حقيبتيهما وينطلقا في رحلة الصبر اليومية، انطلاقا من البيت وتجولا بين الأسواق ومستشفى العاصمة، ليعودا مساءً بأرباح تتفاوت من يوم لآخر، بيد أنها تبقى زهيدة إذا ما قورنت بنفقات الإيجار وتكاليف إعالة أسر تضم أطفالا وعجزة، وإتاوات المواضعات الاجتماعية، ومع ذلك قرر الرفيقان الصمود رغم الركود التجاري بشكل أعمال، وغياب أي ضمانات مع تعدد حالات الاعتداء والسرقة بالإكراه لبائعي الرصيد والتي كان من آخرها تعرض زميلهما لعملية استدراج قرب ملتقى كارفور مدريد مما أدى إلى سلب حقيبته وما فيها من نقود وبطاقات رصيد وودائع وهو ما قد يتعرض له أي بائع رصيد في أي وقت.

 

سوق النقطة

في سوق النقطة بوسط نواكشوط يوجد العشرات من باعة الرصيد الذين وجدوا ضالتهم في عمل لا يتطلب أي رأس مال كبير، ولا يكلف أي نفقات للإيجار ولا فواتير الضرائب ولا الكهرباء حيث يفترشون الرصيف ويلتحفون السماء: بعضهم كون علاقات مستقرة مع الزبناء فيما يتوسل آخرون بمكبر صوت صغير لإسماع صوتهم والإعلان عن بضاعتهم المزجاة وسط ضجيج الشارع وصخب السوق.

يعود ظهور حرفة بيع الرصيد إلى بداية الألفية الثالثة ومع الترخيص لشركات الهاتف الجوال والتي كانت أولاها شركة "ماتل " لكن الحرفة لم تعرف رواجها إلا في السنوات العشر الأخيرة عندما توسعت خدماتها لتشمل بيع بطاقات التزويد وشرائح الهواتف والأرقام المتميزة التي تجري المضاربة فيها إضافة على بيع الهواتف نفسها وخدمات التسجيل والتصليح ...الخ .

تلك الخدمات التي جعلت شركات الاتصال تعزز من علاقتها بهؤلاء وتعمل على توظيفهم في الدعاية لها وتمنح كبار الموزعين امتيازات خاصة.

لكن تلك الامتيازات تظل حكرا على ثلة قليلة من كبار المستثمرين ، بينما ظل كثير من الذين يزاولون المهنة ينتظرون المواسم ليتحينوا فرصة قد تتيح لهم إعادة ترميم رأس المال وإعادة التوازن بين المديونية وبين الموجود.

 

نشاط غير مصنف

في نواكشوط كما في انواذيبو مثلا يغالب أمثال يحيى طوال العام ضنك الأيام التي تتراجع فيها المبيعات وينقص الدفع اليومي للدائنين في نقطة ساخنة، ثم يحققون انتصارين في موسمين لا ثالث لهما: موسمي انتهاء فترة الراحة البيولوجية للصيادين التقليديين في منتصف يونيو ومع منتصف أكتوبر ويتأجل الأخير أحيانا حتى منتصف نوفمبر، هذا إذا نجا الباعة من حملات المطاردة والمضايقات التي يلعب فيها عمال الميناء التقليدي دور البطل عادة وقد يلجأون إلى استخدام نقطة الدرك التي تضع نفسها تحت تصرف إدارة الميناء في مهمة المطاردة تلك.

في حي الغيران مثلا يغادر البائع محمدن مسكنه المؤجر إلى السوق لجلب بضع كلغرمات من التمر،قبل أن يتوقف بسوق الهواتف والرصيد ليستدين ما يوازي مبلغ 10000أوقية من بطاقات التزويد التي يعمل على بيعها إلى جانب التمر سواء بسواء فيقضي يومه أمام طاولته التي تبيع التمر والرصيد تحت لفح الشمس وأمواج الحصى لا يقيه منها إلا عمامة قد بلغ منها البِلى مبلغا، كل ذلك من أجل الصرف على عائلته وإخوته الصغار حيث كان قدره أن يكون عائلهم الوحيد، ولم يكن له من مصدر للدخل سوى بيع التمر والرصيد جاعلا منهما مطية لتحقيق أحلامه البسيطة رغم مضايقات المهنة وضيق ذات اليد.

 

خدمات بالجملة

أصبحت حرفة بيع الرصيد حاضرة بقوة ضمن خدمات أخرى كما تصدح بذلك مكبرات الباعة وكما تكشف عنه طاولات العرض التي تحشد معروضات متنوعة وأشياء زهيدة كالسجائر والحلوى متجسدة في مكبر صوت صغير أو سلسلة من بطاقات التزويد المستعملة تم لصقها وتهيئتها لتكون "لافتة"، كما ترتبط مهنة بيع الرصيد بالمحال الصغيرة المشيدة على أرصفة الشوارع والتي تبيع عادة الهواتف ومستلزماتها من شواحن وإطارات وبطاقات ذاكرة وغيرها، وتحضر المهنة أيضا تحت الأعرشة وعلى العربات التي تبيع الفواكه، كما يشارك فيها كثير من حوانيت التقسيط البسيطة والبقالات.

الحلقة الأضعف

ومع ذلك يبقى ريع هذا النشاط حكرا على كبار الباعة ومن دخلوا سوق الهاتف في سنواتها الأولى، وبشكل أقل تجار التجزئة والتقسيط خاصة مع انتشار تصفح الإنترنت في الأوساط والأحياء الشعبية، ويبقى المرابطون على كراسيهم وطاولاتهم والباعة المتجولون الحلقة الأضعف؛ المحظوظ منهم من نال ثقة كبار تجار الرصيد فخاطر بفتح محل غير مضمون النتيجة يضيف الهواتف ومستلزماتها إلى الرصيد.

ملامح الباعة والعوز البادي على مظهرهم يكفي عن السؤال، ويختزل أي إجابة عن واقعهم المزري، وهم كغيرهم من الباعة لا يحبون الإفصاح عن دخلهم ولا يبدون التفاؤل لمستقبل الحرفة كما يقول البائع صو إنه يعمل فقط ليقضي ما عليه من ديون ولا ينصح أي شاب بأن يكون آخر ما يفكر فيه بيع الرصيد والذي لم يجن منه سوى الديون والدين كما هو معلوم هم بالليل وذل بالنهار.

عديدون جذبهم لبيع الرصيد حلم الثراء السريع لكن أحلامهم تحطمت على صخرة الواقع والظروف الصعبة التي يكابدها الباعة والتي تجعل عملهم أقرب إلى مغامرة غير محسوبة  من حرفة ذات خدمات متنوعة وأرباح وفيرة يعلق أحد الباعة

- See more at: http://essirage.net/node/5381#sthash.teNiaG0C.dpuf

جمعة, 11/03/2016 - 11:20