مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

الدكتور محمد محمود ولد اماه: لا يمكن حصر احتفالات يوم وطني مثل الاستقلال في مباراة واحدة لكرة قدم

القلم: خلال الاحتفال بالذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني، أوقف رئيس الجمهورية مباراة كأس السوبر عند الدقيقة 63. وقد شاع الخبر في جميع أنحاء العالم. ما هو رأيكم حول ما وصفه البعض بخطإ كبير، بصفتكم رئيسا للجنة الأولمبية الموريتانية؟          

 

الدكتور محمد محمود ولد اماه: لم يحظ  قط حدث رياضي أو غيره بالتغطية الصحفية التي شهدتها هذه المباراة التي أطلق الحَكَم صفارة نهايتها عند الدقيقة 63 بدلا من 90. وقد قامت ضجة كبيرة بدون سبب.  وإن الحجة القائلة بأن الرئيس قد أوقف المباراة بسبب سيرها الممل لا مصداقية لها.

 

وعلى العكس من ذلك، فإن الحجة القائلة بأن المباراة التي بدأت متأخرة قد أخلت كثيرا ببرنامج زيارات رئيس الدولة في يوم الاستقلال الوطني أقوى مصداقية بكثير. وإذا كان هناك شخص يتعين اتهامه بأنه لم يكن في المستوى، في تسيير الحدث، فإنها وزيرة الرياضة، السيدة كمبا با، التي كانت تستطيع البقاء في الملعب لمتابعة المباراة ولو لم يتم تسليم الكأس من قبل الرئيس نفسه.

 

لقد حضر الرئيس وهذا يكفي.  ومع كل الاحترام الذي نكنه لملكة الرياضات، كرة القدم، فلا يمكن حصر احتفالات يوم الاستقلال الوطني في مباراة واحدة لكرة القدم.

 

خلال مؤتمر صحفي منظم يوم عيد الاستقلال وعلى قناة TV5، صرح ولد عبد العزيز بأن الرق لم يعد موجودا وأن الإرث الإنساني قد تمت تسويته. هل تشاطرونه هذا الرأي؟   

    

كان الرق موجودا في موريتانيا كما وجد طيلة تاريخ البشرية. وفي بلادنا مارست المجموعتان العرقيتان الرق، ونستطيع على الأكثر الحديث عن مخلفات الرق. وتجدر الإشارة على أن البيظان السود، الحراطين، ذوي الثقافة العربية، قد مارسوا الرق هم الآخرون.

 

وكان الرق الذي مارسه السكان الزنوج في الجنوب أشد ممارسة، حيث لا يُؤَذِّنُ العبيد للصلاة ويحظر دفنهم في نفس المقبرة مع الأحرار.  وفي بعض مناطق جنوب موريتانيا، توجد نوادي كرة قدم، مخصصة لأبناء العبيد القدامى وأخرى لغير المنحدرين من العبيد. 

 

إن المناضلين المعارضين للرق لا يتحدثون أبدا عن الرق عندما يمارسه الموريتانيون الزنوج في الجنوب أو الحراطين الأغنياء.

 

وهذا يوهم بأنه يمارس فقط من قبل البيظان البيض.  وبالنسبة للبعض، أصبحت محاربة الرق في موريتانيا وصِفَة أبناء العبيد السابقين بطاقة امتياز وشعارا مستعملا في غير موضعه في الخارج، مُستخدما على وجه الخصوص للتشهير بالبلاد نفسها بدلا من قادتها.

ويحصل منه البعض الآخر على مزايا : حق اللجوء، "بطاقة التأشيرة الخضراء الأمريكية" تمكن صاحبها من التمتع بجميع الحقوق في الولايات المتحدة باستثناء حق التصويت. ويستفيد منها قوم آخرون شهرة لم يستطيعوا الحصول عليها  بوسائل أخرى، حيث يطالبون بالتمييز الإيجابي: إن  المشاريع والتعيينات وغيرها من الامتيازات يجب تخصيصها من حيث الأولوية للمنحدرين من العبيد، فما هو ذنب 99% من البيظان الذين لم يمارسوا الرق قط؟

 

لقد سبق الرق الدولة الحديثة الملزمة بتوزيع ميزانيتها بطريقة متساوية بين المواطنين. وإذا كانت هناك مداخيل أجور (للسكان الضعاف)، فيجب أن تعود إلى جميع المواطنين الذين يستوفون الشروط بصرف النظر عن انتمائهم العرقي.

 

إذا كان هناك منحدرون من العبيد السابقين، فيوجد كذلك منحدرون من ملاك العبيد السابقين، فليتوجه أؤلئك إلى هؤلاء إذا كانت لديهم مطالب يطرحونها. هل نحتاج إلى التذكير بأنه لا يوجد في العالم تعويضات بسبب الرق. ثم إن قادة القومية الزنجية، سانگور وأيمي سيزير وآخرون يرون من العار والدناءة الحصول على مداخيل لكوننا منحدرين من العبيد السابقين. 

 

يشكل الرق، مثل الإرث الإنساني، جرحا لا يندمل للأسف. ولا يمكن الحديث عن الإرث الإنساني دون الرجوع إلى أحداث 1989 المأساوية لإدانتها أولا ثم التذكير بأن ذلك الإرث الإنساني تمت تسويته بين السلطات وخلف الضحايا.          

يمثل الإرث الإنساني أكثر من سيف مشهر على الرقاب، على غرار الرق أيضا، وقد اكتسى طابعا اجتماعيا وسياسيا ليصبح، بدوره، أداة للنضال السياسي أكثر منه قضية إنسانية وقانونية.

 

ومع ذلك، فقد اندمل جرح أعمق بكثير، ناتج هذه المرة عن الأحداث المأساوية التي وقعت بين بلادنا والسنغال، رغم الإرث الإنساني والمادي الثقيل الذي تكبدته بلادنا: حرق العديد من الموريتانيين رجالا ونساء في الأفران وآخرون في الهواء الطلق كما أن 500.000 من موريتانيين، أغلبيتهم يحملون الجنسية السنغالية، قد سلبت جميع ممتلكاتهم وتم طردهم من السنغال.

 

لا شك أن سرعة اندمال هذا الجرح العميق الذي تركته تلك الأحداث المأساوية تعكس عمق العلاقات الوطيدة التي تربط الشعبي الموريتاني والسنغالي، وسرعان ما تم نسيان كل ذلك. فلما ذا لا ينطبق نفس الشيء بيننا معشر الموريتانيين الذين تربطنا علاقات أقوى وأرسخ؟ لإغلاق هذا الملف، لا يوجد حل سوى تعويض خلف الضحايا. وأكثر ما يستطيع المرء هو الطعن في حجم التعويض.

 

يدور جدل شديد حول تسمية مطار نواكشوط الجديد منذ بضعة أشهر، حيث اقترحت مريم داداه  صراحة بأن يطلق عليه اسم الأب المؤسس. ما هو رأيكم حول هذا الجدل؟

      

واجه الغزو الاستعماري لبلادنا مقاومة قوية، في الجنوب أولا، على ضفة النهر من قبل الحاج عمر وابنه أحمدو، ثم في الوسط والشمال.

وفي عام 1932، واجه الموريتانيون القوات الغازية بمقاومة شرسة في معركة أم التونسي، على مسافة 75 كيلومترا شمال نواكشوط، حيث قتلوا الملازم الأول ماك ماهون، قائد المفرزة الفرنسية وجنود فرنسيين آخرين وبعض الرماة السنغاليين وگوميات موريتانيين.

 

لقد أطلقت السلطات الموريتانية اسم أم التونسي على المطار الجديد. وكانت فرصة لعقيد متقاعد من الحرس لشجب هذه التسمية، واصفا المقاومين الموريتانيين بقطّاع الطرق وكبار المجرمين، بل ذهب، خلال غمرة حديثه، إلى التساؤل مؤخرا هل يستحق يوم استقلالنا الوطني 28 نوفمبر حمل هذا الاسم.

 

وقفت مريم داداه، بدورها، ضد هذه التسمية في رسالة مفتوحة وجهتها إلى رئيس الجمهورية، ونشرت بضعة أيام قبل تخليد الذكرى الخامسة والخمسين للاستقلال.

 

«... وعلاوة على ذلك، يُذَكِّرُ اسم أم التونسي بمعركة عام 1932، في إطار مسلسل إقامة السلام، الجارية آنذاك، نشبت بين موريتانيين من التجمع البدوي في الترارزة، المحالف لفرنسا، وموريتانيين آخرين يعادون هذه الأخيرة".

 

للأسف، فإن مريم داداه، باسم مؤسسة المختار ولد داداه، قد جانبت الصواب، حيث أفرطت في تبسيط معركة أم التونسي، وحرفتها عن اتجاهها وأفرغتها من محتواها، حيث حصرتها في معركة بين موريتانيين حلفاء لفرنسا وموريتانيين معادين لها.

 

لو كان الأمر كذلك، لصار اسم "أم التونسي" للمطار الجديد لا معنى له، بل سخيفا. وذهبت مريم داداه إلى أبعد من ذلك، عندما كتبت: «... ترمز هذه المعركة إذن حسب رأينا للتفرقة، في حين تحتاج موريتانيا اليوم إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى».

 

يجب الاعتقاد بأن الموريتانيين اليوم منقسمون، متعارضون كما هي الحال عام 1932 في أم التونسي، حسب فهم مريم داداه، بين : " موريتانيين حلفاء لفرنسا وموريتانيين يعادون هذه الأخيرة". لا شك أن هذه الحجج لا تترجم، بكل تأكيد، تفكير الرئيس المختار ولد داداه، ولا الفكرة التي يحملها الموريتانيون عن الأب المؤسس، وهو الوطني والقومي الذي يستحق اسمه أن يطلق على أكثر من مطار.

 

بما أن اختيار السلطات لم يقع فورا على اسم الرئيس المختار، وحيث أدان العقيد المتقاعد الشهير تسمية أم التونسي ووصف المقاومين بقطّاع الطرق وكبار المجرمين، فإننا نعتقد أن نهج مريم داداه كان، في هذه المرحلة من المساعي والنقاشات، غير مناسب، بل غير موفق، مسايرا تماما لخط عقيد الحرس المتقاعد.

 

أجرى المقابلة أحمد ولد الشيخ

خميس, 14/01/2016 - 15:02