مساحة إعلانية

     

 

    

  

الفيس بوك

المدرسة الإيطالية "للصوص"

عبد الرحمن ودادي

 

في زمن مضى زرت جزر الكناري لبعض العمل ، كان يومي يمضي سريعا في التجوال بين الشركات و في المساء لم اكن اجد ما افعل ، لست من محبي الملاهي الليلية و ضجيجيها و لا تجمعات الموريتانيين في نقاط معروفة.

 

تعودت التجول على الشاطئ و السير لمسافات طويلة و متابعة هواة الصيد بالصنارة.

 

في إحدى الليالي تعرفت على شاب مغربي ، اخذنا نتمشى سوية و نتبادل الأحاديث.

 

عرفت أنه يعمل في المطاعم وحدثني طويلا عن حياته و كيف وصل هذه البلاد مختبأ في سفينة والمخاطر التي تعرض لها و حكى لي عن حلمه الأكبر في الحياة .

 

تحدث بشغف عن مدرسة تعليم الطبخ الإيطالية العريقة بروما التي يحلم ان يتخصص فيها بإعداد المرق "الصوص".

 

تعجبت لماذا لا يرغب ان يكون "شيفا " لأنها في رأيي رتبة أكبر و اهم !؟

 

إسترسل في الحديث عن مسؤوليات "الشيف" الجسيمة و مصاعب عمله ومشقة الإشراف على المطابخ الكبيرة و عشرات المساعدين و قلة فرص التشغيل المعروضة امامه، و اسهب في شرح ميزات التخصص في "الصوص" و سهولته و الطلب الكبير عليه و بمرتبات مغرية ، كان يتكلم من قلبه و تلمع عيناه حماسة.

 

تمنيت له من كل قلبي التوفيق و سألته لماذا لم يسجل فيها حتى الآن ؟

 

تحولت نبرة صوته و خبت بريق عينيه مبينا عجزه عن جمع المبلغ الكافي رغم عمله في مطعمين ل 16 ساعة يوميا لأكثر من ثلاث سنوات، بسبب مصاريف الاهل في القرية و مرض الوالدة و علاجها المكلف، واخذ يندب حظه السيء لولادته في عائلة كبيرة العدد، و البطالة في الوطن التي منعت اخوته المتعلمين من الحصول على وظيفة، و عجزهم عن الهجرة واضطراره لإعالتهم.

 

كان محتاجا لأن يبث همومه و كنت مستعدا للاستماع إليه بتعاطف و احترام لأحلامه و معاناته.

 

سألني عن عملي فشرحته له، و اخذ يسألني عن المداخيل و الأرباح ، فأجبته بأنها مستورة و ان البلد الذي انتمي له فقير و مجال الأعمال ليس بذلك الازدهار.

 

إقترح علي ان اتوجه الى إيطاليا و أسجل لدراسة " الصوص " و أنها ستضمن لي فرصا كبيرة، و ان عملي بعد التخرج مضمون، ابتسمت وأجبته بأنني غير مهتم بهذا التخصص.

 

إستمات في النقاش ليقنعني و عرض الحجج تباعا و من ثم أخذ يستفسر عن إخوتي و ألح علي ان اقنعهم بدراسة "الصوص" ليبنوا مستقبلا مشرقا.

 

استمرت اللقاءات طيلت إقامتي القصيرة ويوم سفري عانقني صاحبي طويلا و الح علي لحظة الوداع بالتفكير الجدي في التوجه لروما و أكد لي أن كل هدفه حب مصلحتي.

 

تفرقنا و انا أتمنى من كل قلبي ان يتحقق حلمه الدراسي و يشفي والدته.

 

في الحياة اليومية قابلت الكثيرين لا يجدون فرصة إلا و حاولوا إقناعي بترك الاهتمام بالشأن العام والتودد للحكام للحصول على مكاسب مادية بوظيفة أو صفقة كبيرة.

 

ما فاتهم هو ما فات صاحبي الطيب و هو أن ما يتملك قلوبهم قد لا يهم الآخرين، فالحياة ليست مجرد المدرسة الإيطالية "للصوص ".

 

هناك اشياء اخرى كثيرة..... أحلام و مواقف و مبادئ واهتمامات تعطي لبعض الناس معنى لحياتهم و هدفا يسعون له.

جمعة, 04/05/2018 - 00:15